للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وظلت موضوعاته تتصل بالأغراض التي ألفها شعراءُ الجاهلية المتبدون. لقد ظل ابن مقبل أعرابياً جافي الطبع، وظل شعره بعد إسلامه كما كان جاهلي الطابع. لم يتأثر بالإسلام، وفي الأخذ من تلك القيم والمثل السمحة التي جاء بها، وأبطل بها كثيراً من عادات الجاهلية وتقاليدها. إن هذه القصيدة هي الوحيدة من بين مجموع شعره التي عبرت عن روح الجماعة الإسلامية ووجدانها الجماعي. لقد أظهرت أن ابن مقبل وإن ارتبط بماضيه أكثر من ارتباطه بحاضره. فإن الإسلام قد مس قلبه ولم يظل بعيداً عن روحه وفكره. فقد استشعر بعض معانيه وتعاليمه على نحو قوله في رثاء عثمان رضي الله عنه (٢١) [الطويل]

فَغُودِرَ مقتولاً بغير جريِرةٍ

ألا حبَّذَا ذاك القتيلُ المَلحَّبُ

قتيُلُ سَعيدٌ مؤمُنُ شَقِيْت بِهِ

نفوسُ أعادِيهِ، شهيُدُ مطيَّبُ

نَعَاء عُرَى الإسلامِ والعدلِ بعدَهُ

نَعاءِ! لقد نابتْ على الناس نُوَّبُ

نَعَاءَ ابن عفَّاَن الإمِام لمجتَدٍ

إذا البرقُ للرَّاجِي سَنَا البرقُ خُلَّبُ

نَعَاءٍ لفضْل الحلم والحَزْمِ والندى

ومأوى اليتامى الغُبْرِ عَامُوا وأجْدَبوا

وحينما هدد قتله عثمان رضي الله عنه، توعدهم برجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، يتدارسون القرآن ويعملون بموجبه، ويعتزون بالدين ويموتون في سبيله. ويبدو ذلك واضحاً من قوله (٢٢) :

وأشْمَطَ من طُولِ الجِهَادِ اسْتَخَفَّهُ

مَعَ المُرْد حتى رأسُهُ اليومَ أشْيَبُ

يُدَارِسُهُم أُمَّ الكِتابِ، ونفْسُهُ

تُنَازِعُهُ وُثْقَى الخِصَالِ، ويَنْصَبُ

<<  <  ج: ص:  >  >>