للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كان ابن مقبل، قد استظل بظل الإسلام، وروح الدين وأخلاقه وأهدافه، عند رثائه لعثمان رضي الله عنه. فإنه في القصيدة الأخرى التي قالها في وقعة صفين، لم يستطع أن يتخلص من مظاهر الجاهلية التي استأثرت بمعظم شعره. فقد مال إلى الشر، وأفحش في القول، واستخف بأخلاق الإسلام وأهدافه. وورد له في هذه القصيدة من المعاني المبتذلة ما يتنافى مع روح الإسلام وتعاليمه وذلك قوله (٢٣) : [الطويل]

وجَاءتْ بِهِ حَيَّاكةٌ عَركِيةٌ

تَنَازَعَها في طُهْرِها رَجُلان

وأشعار ابن مقبل تُنْبئ أنه، وإن عاش في ظل الإسلام دهراً طويلاً، فإن إسلامه لم يحدث تحولاً كبيراً في حياته. لقد ظل قلبه معلقاً في الجاهلية، يحن إلى عاداتها وتقاليدها، ويجد فيها مثله الأعلى. ولذلك كان شعره صدى لتلك الحياة وترجمة لعواطفه وأهوائه، فقد غلبت على موضوعات شعره الروح الجاهلية، وظل شعره في مجمله جاهلي اللفظ والمعنى والغرض. لم يتأثر بالإسلام الذي غير مظاهر الحياة العربية جميعها، ومنها الشعر فحدد له قيماً، ورسم له أدواراً تتفق وتعاليمه. ولم يستطع ابن مقبل أن يعبر عن تلك القيم، أو أن يواجه تلك التحولات التي أفرزها الإسلام. وإذا كانت قصيدته في رثاء عثمان قد عبرت عن روح الجماعة الإسلامية وعواطفها، فإن باقي شعره يخلو من أي عاطفة دينية إلا فيما ندر. لقد كانت صلته بالحياة الإسلامية ضعيفة. ولهذا احتلت الموضوعات التي لها علاقة بالعقيدة مكاناً متواضعاً في شعره. فلم نقف له في ديوانه إلا على أبيات قليلة ضمنها قصيدتين له هما كل ما نعلم له، استوحى فيهما معنى إسلامياً هما قوله (٢٤) : [الطويل]

وما الدَّهر إلا تَارتان، فمنهما

أموتُ، وأُخْرى أبْتَغِى العيشَ أكْدَحُ

وكلتاهما قد خُطَّ لي في صَحِيفتي

فَلَلْعَيشُ أشْهَى لي، وللمَوتُ أرْوَحُ

وقوله في قصدية أخرى (٢٥)) [البسيط]

يا حُرَّ أمْسَيْتُ شَيْخاً قَدْ وَهَي بَصَرِي

<<  <  ج: ص:  >  >>