للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فمعنى الحديث: "أي لا تمدحوني فتغلوا في مدحي كما غلت النصارى في عيسى فادعوا فيه الربوبية، وإنما أنا عبد الله فصفوني بذلك كما وصفني به ربي، وقولوا عبد الله ورسوله.

فأبى عباد القبور إلا مخالفة لأمره، وارتكابا لنهيه، وناقضوه أعظم المناقضة وظنوا أنهم إذا وصفوه بأنه عبد الله ورسوله، وأنه لا يدعى ولا يستغاث به، ولا ينذر له، ولا يطاف بحجرته، وأنه ليس له من الأمر شيء، ولا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله، أن في ذلك هضما لجنابه وغضا من قدره، فرفعوه فوق منزلته، وادعوا فيه ما ادعت النصارى في عيسى أو قريبا منه، فسألوه مغفرة الذنوب، وتفريج الكروب وغير ذلك من الأمور (١).

وقد ذكر شيخ الإسلام في كتاب تلخيص الاستغاثة (٢) عن بعض أهل زمانه أنه جوز الاستغاثة بالرسول في كل ما يستغاث فيه بالله، وصنف فيه مصنفا. وكان يقول أن النبي يعلم مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله. وحكي عن آخر من جنسه يباشر التدريس وينسب إلى الفتيا أنه كان يقول إن النبي يعلم ما يعلمه الله ويقدر على ما يقدر الله عليه.

ومن هؤلاء من يقول في قول الله تعالى ﴿وسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلًا﴾ [الأحزاب]: إن الرسول هو الذي يسبح بكرة وأصيلا.

ومنهم من يقول: نحن نعبد الله ورسوله فيجعلون الرسول معبودًا ويقول قائلهم:

فإن من جودك الدنيا وضرتها … ومن علومك علم اللوح والقلم


(١) تيسير العزيز الحميد (٢٧٢ - ٢٧٣).
(٢) الرد على البكري (ص ٢١٨).

<<  <   >  >>