للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ السُّبْكِيُّ الْكَبِيرُ: وَعِنْدِي زِيَادَةٌ أُخْرَى فِي التَّخْيِيرِ١، وَهِيَ٢ أَنَّ الْقَدْرَ الْمُشْتَرَكَ يُقَالُ عَلَى الْمُتَوَاطِئِ٣، كَالرَّجُلِ، وَلا إبْهَامَ فِيهِ. فَإِنَّ حَقِيقَتَهُ مَعْلُومَةٌ مُتَمَيِّزَةٌ عَنْ غَيْرِهَا مِنْ الْحَقَائِقِ٤، وَيُقَالُ عَلَى الْمُبْهَمِ مِنْ شَيْئَيْنِ أَوْ أَشْيَاءَ. كَأَحَدِ الرَّجُلَيْنِ.

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الأَوَّلَ لَمْ تُقْصَدْ فِيهِ إلاَّ الْحَقِيقَةُ. وَالثَّانِي: قُصِدَ فِيهِ ذَلِكَ مَعَ أَحَدِ الشَّخْصَيْنِ بِعَيْنِهِ، أَيْ ٥ لا بِاعْتِبَارِ ٥ مَعْنًى مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ لَمْ يُعَيَّنْ. وَلِذَلِكَ سُمِّيَ مُبْهَمًا؛ لأَنَّهُ أُبْهِمَ عَلَيْنَا أَمْرُهُ.

فَلا يُقَالُ فِي الأَوَّلِ الَّذِي نَحْوُ أَعْتِقْ رَقَبَةً، إنَّهُ وَاجِبٌ مُخَيَّرٌ، لأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ فِيهِ بِتَعَلُّقِ الْحُكْمِ بِخُصُوصِيَّاتِهِ، بِخِلافِ الثَّانِي. فَإِنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى تَسْمِيَتِهِ مُخَيَّرًا. وَمِنْ الأَوَّلِ: أَكْثَرُ أَوَامِرِ الشَّرِيعَةِ٦، فَيَتَعَيَّنُ٧ أَنَّهُ الْقَدْرُ الْمُشْتَرَكُ فِي الأَوَّلِ، وَإِلَيْهِ يُرْشِدُ قَوْلُهُمْ: "مِنْ أُمُورٍ مُعَيَّنَةٍ"، وَالْمَعْنَى: أَنَّ النَّظَرَ إلَيْهَا مِنْ حَيْثُ تَعَيُّنُهَا وَتَمَيُّزُهَا مَعَ الإِبْهَامِ احْتِرَازًا٨ عَنْ٩ الْقِسْمِ الأَوَّلِ. انْتَهَى.


١ في ش ز ع ب ض: التحير.
٢ في ش ع: وهو.
٣ المتواطىء هو الكلي الذي لم تتفاوت أفراده، كالإنسان بالنسبة إلى أفراده، فإن الكلي فيها، وهو الحيوانية والناطقة، لا يتفاوت فيها بزيادة ولا نقص، وسمي بذلك من التواطؤ، وهو التوافق.
٤ قال الإسنوي: أحد الأشباه قدر مشترك بين الخصال كلها لصدقه على كل واحد منها، وهو واحد لا تعدد فيه، وإنما التعدد في محالِّه، لأن المتواطىء موضوع لمعنى واحد صادق على أفراد، كالإنسان، وليس موضوعاً لمعان متعددة، وإذا كان واحد استحال فيه التخيير، وإنما التخيير في الخصوصيات، وهو خصوص الإعتاق مثلاً أو الكسوة أو الإطعام. "التمهيد ص١٤".
٥ في ش ع: لاعتبار.
٦ في ش: الشيء بعينه.
٧ في ش: فتعين، وفي د: فتبين.
٨ في ب ض: احتراز.
٩ في ز ع ض: من.

<<  <  ج: ص:  >  >>