للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَحَلِّ بَعْدَ تَعَلُّقِ الْكَرَاهَةِ١.

وَقَوْلُهُ: "خِلافًا لِلْحَنَفِيَّةِ": صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَنَفِيَّةَ قَائِلُونَ بِأَنَّ الأَمْرَ يَتَنَاوَلُ الْمَكْرُوهَ، وَهَذَا أَمْرٌ لا يُعْقَلُ؛ لأَنَّ الْمُبَاحَ عِنْدَهُمْ غَيْرُ مَأْمُورٍ بِهِ، مَعَ كَوْنِ٢ طَرَفَيْهِ عَلَى حَدِّ الْجَوَازِ. فَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ أَنْ٣ يَكُونَ الْمَكْرُوهُ مِنْ جُزْئِيَّاتِ٤ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ الصُّوَرِ؟ وَكُتُبُهُمْ - أُصُولاً وَفُرُوعًا - مُصَرِّحَةٌ بِأَنَّ الصَّلاةَ فِي الأَوْقَاتِ الْمَكْرُوهَةِ فَاسِدَةٌ، حَتَّى الَّتِي لَهَا سَبَبٌ مُطْلَقًا٥ انْتَهَى.


١ هذه المسألة فرع عن مسألة الأمر والنهي في شيء واحد، والعلماء متفقون على أن الأمر والنهي أو الإيجاب والتحريم لا يحتمعان في أمر واحد بالذات، أما إذا كان له جهتان، فإن كانتا متلازمتين فلا يجتمعان كالأول، وإن كانت الجهتان غير متلازمتين فلا مانع من اجتماع الأمر والنهي أو الإيجاب والتحريم في الشيء الواحد لكن العلماء اختلفوا في تلازم الجهتين وعدم تلازمهما، كما اختلف العلماء في متعلق النهي، فقال الجمهور: إن النهي يقتضي الفساد والبطلان، بينما فرق الحنفية بين النهي الوارد على الأصول فإنه يوجب البطلان، وبين النهي الوارد على الوصف فإنه يوجب الفساد، أما النهي الوارد على أمر آخر يجاور الشيء أو يتعلق به، فلا يؤثر عليه، وبناء على ذلك اختلف العلماء في فروع كثيرة كالصلاة في الأرض المغصوبة، فقال الحنابلة بعدم صحتها، لأن الصلاة لا تكون واجبة ومحرومة في أن واحد، وقال الجمهور بصحتها، لأن الوجوب يتعلق بالصلاة، والنهي يتعلق بالغصب، وكالصلاة في الأوقات المكروهة، فقال الحنفية والمالكية بصحتها، لأن النهي على الوقت، وليس على ذات الصلاة، وقال الشافعية والحنابلة بعدم صحتها، لأن الوقت ملازم للصلاة، ثم قال الشافعية تصح الصلاة في الأماكن المكروهة، لأن المكان غير ملازم للصلاة، خلافاً للوقت، واتفق الجميع على عدم صحة الصوم في يوم النحر، لأن صوم يوم النحر لا ينفك في اليوم، ويلخص الشربيي ذلك فيقول: وحاصله تخصيص الدعوى بما يجوز انفكاك الجهتين فيه. "انظر: تقريرات الشربيني على جمع الجوامع ١/ ١٩٧-١٩٨، حاشية البناني ١/ ٢٠١، أصول السرخسي ١/ ٨٩، المسودة ص٨١، كشف الأسرار ١/ ١٧٧ وما بعدها، حاشية ابن عابدين ٥/ ٤٩، بدائع الصنائع ٥/ ٢٩٩، الفروق للقرفي ٢/ ٨٣، ١٨٣، المستصفى ١/ ٩٥".
٢ في ع: كونه.
٣ في ش: بأن.
٤ في ش: جزئياته.
٥ إن اعتراض الكوراني على جمع الجوامع غير دقيق، وأن الصلاة في الأوقات المكروهة صحيحة =

<<  <  ج: ص:  >  >>