للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَاقِلٍ١.

"وَمَحَلُّهُ"٢ أَيْ مَحَلُّ الْعَقْلِ "الْقَلْبُ" عِنْدَ أَصْحَابِنَا٣ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالأَطِبَّاءِ. وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} ٤ أَيْ عَقْلٌ. فَعَبَّرَ بِالْقَلْبِ عَنْ الْعَقْلِ، لأَنَّهُ مَحَلُّهُ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} ٥ وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا} ٦ فَجَعَلَ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ٧. وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ


١ قال الباجي: "وأما ماحدّ به العقل "بأنه بعض العلوم الضرورية" فعندي أنه ينتقض بخبر أخبار التواتر وما يدرك بالحواس من العلوم، فإنه بعض العلوم الضرورية، ومع ذلك فإنه ليس بعقل. وأيضاً: فإن هذا ليس بطريق للتحديد، لأن التحديد إنما يراد به تفسير المحدود وتبيينه. وقولنا "عقل" أبين وأكثر تمييزاً مما ليس بعقل من قولنا "بعض العلوم الضرورية" فإنه لا يفهم من لفظ الحد ولا يتميز به عن غيره. ولذلك لا يجوز أن يقال في حد الجوهر إنه بعض المحدثات". ولهذا اتجه الباجي في تعريفه إلى أنه "العلم الضروري الذي يقع إبتداءً ويعم العقلاء" ليخرج بقيد "يقع ابتداءً وإنما ويعم العقلاء" العلم الواقع عن ادراك الحواس، وعلم الإنسان بصحته وسقمه وفرحه وحزنه، فإنه لا يقع ابتداءً، وإنما يقع بعد أن يوجد ذلك به، كما أنه لا يعم العقلاء، وإنما يختص بمن وجد به. وكذلك خبر أخبار التواتر، فإنه لا يعم العقلاء، وإنما يقع العلم به لمن سمع بذلك الخبر دون غيره. "انظر الحدود ص٣١-٤٣".
٢ في ب: وأصل.
٣ قاله أبو الحسن التميمي والقاضي أبو يعلى وابن عقيل وابن البنا وغيرهم. "انظر المسودة ص٥٥٩ وما بعدها".
٤ الآية ٢٧ من ق.
٥ الآية ٤٦ من الحج.
٦ الآية ١٧٩ من الأعراف. وفي ش ب ع ض: "ام لهم قلوب يعقلون بها" وفي ز: "ام لم قلوب يفقهون بها" وليس في القرآن آية كذلك.
٧ فلولا أن العقل موجود في القلب لم وصُف بذلك حقيقة في قوله تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} إذ لا يتصور أن توصف الأذن بأن يُرى بها أو يُشم بها؛ لأن الأصل إضافة منفعة كل عضو إليه، إلا ترى تتمة الآية {.. قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} ، وكذا في قوله تعالى: {أَلَهُمْ أَرْجُلٌ يَمْشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَيْدٍ يَبْطِشُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ أَعْيُنٌ يُبْصِرُونَ بِهَا أَمْ لَهُمْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا} ، "١٩٥ الأعراف"؛ فقد أضاف الله سبحانه إلى كل عضو المنفعة المخصوصة به، مما يثبت أن العقل منفعة القلب ومختص به. وممن ذهب إلى أن العقل محله القلب الإمام مالك والمتكلمون من أهل السنة. "انظر الحدود للباجي ص٣٥".

<<  <  ج: ص:  >  >>