للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِلْقَاضِي عَبْدِ الْجَبَّارِ الْمُعْتَزِلِيِّ فِيهِ قَوْلانِ.

أَحَدُهُمَا: الْمَنْعُ، وَوَجْهُهُ: اخْتِلافُ الْمَصَالِحِ بِحَسَبِ الأَحْوَالِ. فَلَوْ كَانَ حُجَّةً لَزِمَ تَرْكُ الْمَصْلَحَةِ وَإِثْبَاتُ الْمَفْسَدَةِ، وَقَطَعَ بِهِ الْغَزَالِيُّ وَصَحَّحَهُ السَّمْعَانِيُّ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلامِ جَمْعٍ مِنْ أَصْحَابِنَا١.

قَالَ الْكُورَانِيُّ: لا مَعْنَى لِلإِجْمَاعِ فِي ذَلِكَ. لأَنَّهُ لَيْسَ أَقْوَى مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ لَيْسَ دَلِيلاً لا يُخَالَفُ فِيهِ. يَدُلُّ عَلَيْهِ قِصَّةُ التَّلْقِيحِ حَيْثُ قَالَ: "أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأُمُورِ دُنْيَاكُمْ" ٢. وَالْمُجْمَعُ عَلَيْهِ لا يَجُوزُ خِلافُهُ، وَمَا ذَكَرُوهُ٣ مِنْ أَمْرِ الْحُرُوبِ وَنَحْوِهَا إنْ أَثِمَ مُخَالِفُ ذَلِكَ فَلِكَوْنِهِ٤ شَرْعِيًّا، وَإِلاَّ فَلا مَعْنَى لِوُجُوبِ اتِّبَاعِهِ٥. اهـ.

وَقِيلَ: هُوَ حُجَّةٌ بَعْدَ اسْتِقْرَارِ الرَّأْيِ لا قَبْلَهُ٦، ذَكَرَهُ ابْنُ قَاضِي الْجَبَلِ.


١ انظر: الإحكام للآمدي ١/ ٢٨٤، مختصر ابن الحاجب ٢/ ٤٤، المستصفى ١/ ١٧٣، المسودة ص ٣١٧، تيسير التحرير ٣/ ٢٦٢، المعتمد ٢/ ٤٩٤، نهاية السول ٢/ ٣٣٧، فواتح الرحموت ٢/ ٢٤٦، مختصر الطوفي ص ١٣٧، المدخل إلى مذهب أحمد ص ١٣٣.
٢ قصة التلقيح هي أن النبي صلى الله عليه وسلم مرَّ بقوم يلقحون النخل فقال صلى الله عليه وسلم: "لو لم تفعلوا لصلح"، فخرج شيصاً، فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لهم: "أنتم أعلم بأمور دنياكم". أي أنتم أعلم مني بذلك، وأنا أعلم بأمر أخراكم منكم. والحديث رواه مسلم وابن ماجه عن أنس وعائشة مرفوعاً.
"انظر: صحيح مسلم ٤/ ١٨٣٦، سنن ابن ماجه ٢/ ٨٢٥، فيض القدير ٣/ ٥٠".
٣ في ش: ذكره.
٤ في ش: لكونه.
٥ وهو ما أيده الشيرازي.
"انظر: اللمع ص ٤٩، المعتمد ٢/ ٤٩٤، كشف الأسرار ٢/ ٢٥٢".
٦ انظر: المدخل إلى مذهب أحمد ص ١٣٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>