للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الولد إلى الله تعالى، هناك دليل عقلي يدل على بطلان ذلك الافتراء الباطل نذكره قبل أن نختم الكلام في هذا الموضوع، وذلك الدليل هو:

١ ـ أن يقال: يجب أن يكون الإله واجب الوجود لذاته، فولده إما أن يكون واجب الوجود لذاته، أو لا يكون فإن كان واجب الوجود لذاته كان مستقلاً بنفسه قائماً بذاته لا تعلق له في وجوده بالآخر، ومن كان كذلك لم يكن له ولد البتة، لأن الولد مشعر بالفرعية والحاجة إلى أصله.

وإما أن يكون ذلك الولد ممكن الوجود لذاته فحينئذ يكون وجوده بإيجاد واجب الوجود لذاته، ومن كان كذلك فيكون عبداً لا ولداً له ومن عرف هذه الحقيقة لم يتردد في نفي الولد عن الله ـ تعالى ـ.

٢ ـ إن الولد مشعر بكونه متولداً عن جزء من أجزاء الوالد وذلك إنما يعقل في من يمكن انفصال بعض أجزائه عن بعض وهو محال في حق الواجب لذاته١.

وقد خص النبي صلى الله عليه وسلم عيسى عليه السلام بمزيد من التنبيه لأن عقائد أهل الكتاب كانت فيه بين الإفراط والتفريط فبيّن العقيدة الصحيحة التي يجب أن يلتزمها الناس فيه بصفة عامة، وأهل الكتاب جميعاً بصفة خاصة فقد ثبت في الصحيحين من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة على ما كان من العمل" ٢.

فالقارئ لهذا الحديث يرى أن وجه تخصيص عيسى بالذكر مع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم دون سائر أولي العزم من الرسل إنما كان لتوضيح الحق فيه، وأنه عبد الله ورسوله.

وجاء في تيسير العزيز الحميد قوله: "وأن عيسى عبد الله ورسوله" وفي رواية "وابن أمته" أي: خلافاً لما يعتقده النصارى أنه الله أو ابن الله، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ... إلى أن قال: "فيشهد بأنه عبد الله" أي: عابد مملوك لله، لا مالك، فليس من الربوبية ولا من الإلهية شيء، ورسول صادق خلافاً لقول اليهود إنه ولد بغي، بل يقال فيه


١- انظر التفسير الكبير للرازي: ١٣/١١٦ ـ ١١٧.
٢- صحيح البخاري ٢/٢٥٤، صحيح مسلم ١/٥٧. واللفظ للبخاري.

<<  <   >  >>