تظهر أهمية الإقرار بتوحيد الربوبية في أنه مقدمة لنتيجة، فإذا أقر العبد أن الله سبحانه وتعالى هو الرب المتفرد بالربوبية وخصائصها، استلزم ذلك حتماً أن ينتج عن إقراره هذا إقرار آخر بتفرد الرب جل وعلا في ألوهيته فيجرد له العبادات كلها، ولا يصرف منها شيئاً لغير الله تعالى إذ أنه لا يصلح أن يعبد إلا من كان رباً، سيداً، خالقاً، بارئاً، مصوراً، مالكاً، رازقاً، معطياً، مانعاً، محيياً، مميتاً، مدبراً لأمر الكون كله، وذلك كله لا يثبت إلا لله وحده لا شريك له، فوجب أن يكون هو المعبود وحده، الذي لا يصح أن يكون لأحد من خلقه شركة معه في أي شيء من العبادات على اختلاف صورها.
ولهذا جرت الطريقة في كتاب الله الكريم على سوق آيات الربوبية، ثم الخلوص منها إلى الدعوة إلى توحيد الألوهية فيجعل توحيد الربوبية مدخلاً لتوحيد العبادة للإله الذي لا يستحقها بأنواعها جميعاً سواه"١.
وأما توحيد الألوهية: فهو متضمن لتوحيد الربوبية، بمعنى أن توحيد الربوبية داخل في ضمن توحيد الألوهية فإن من عبد الله وحده لم يشرك به شيئاً لا بد أن يكون قد اعتقد أن الله هو ربه ومالكه الذي لا رب له غيره ولا مالك له سواه فهو يعبده لاعتقاده أن أمره كله بيده، وأنه هو الذي يملك ضره ونفعه وأن كل ما يدعى من دونه فهو لا يملك لعابديه ضراً، ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً.
ولا ينفع توحيد الربوبية بدون توحيد الألوهية، كما لا ينفع توحيد الألوهية بدون توحيد الربوبية فإن من عبد الله وحده ولم يشرك به شيئاً في عبادته، ولكنه اعتقد مع ذلك أن
١- انظر "كتاب" صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان ص٤٣٧ ـ ٤٥١.