للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الثاني: بيان المبتدعة الذين نازعوا في القدر والرد عليهم]

إن إنكار القدر الذي هو أحد أركان الإيمان الستة التي لا يصح لأحد إيمان حتى يؤمن بها كلها اشتهرت بإنكاره إحدى الفرق الزائغة وتسمى فرقة القدرية١.

والكلام في القدر وتعلق أفعال العباد بمشيئته ـ سبحانه ـ من المسائل التي كان لها وجود قبل ظهور الإسلام كما أخبرنا الله بذلك في كتابه المبين عن كفار قريش ومن سبقهم من مشركي الأمم أنهم ينسبون شركهم وما هم عليه من المعاصي إلى مشيئته ـ جل وعلا ـ.

قال تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} ٢.

قال ابن كثير رحمه الله ـ تعالى ـ حول هذه الآية "يخبر تعالى عن اغترار المشركين بما هم فيه من الإشراك واعتذارهم محتجين بالقدر بقولهم {لَوْ شَاءَ اللهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} أي من البحائر والسوائب والوصائل وغير ذلك مما كانوا ابتدعوه واخترعوه من تلقاء أنفسهم ما لم ينزل به سلطاناً ومضمون كلامهم أنه لو كان ـ تعالى ـ كارهاً لما فعلنا لأنكره علينا بالعقوبة ولما مكننا منه، قال ـ تعالى ـ راداً عليهم شبهتهم {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ} أي ليس الأمر كما تزعمون أنه لم ينكره عليكم بل قد أنكره عليكم أشد الإنكار ونهاكم عنه أشد النهي، وبعث في كل أمة أي في كل قرن وطائفة من الناس رسولاً، وكلهم يدعون إلى عبادة الله، وينهون عن عبادة ما سواه،


١- القدرية: اسم أطلقه أهل السنة والجماعة على الزاعمين بأنهم الفاعلون لأعمالهم دون الباري ـ سبحانه ـ وقد وردت آثار كثيرة تصفهم بأنهم مجوس هذه الأمة. انظر سنن أبي داود ٢/٥٢٤، الاحتجاج بالقدر ص٨٦ ـ ٨٧، شفاء العليل ص٤٩، لوامع الأنوار ١/٣٠٥.
٢- سورة النحل آية: ٣٥.

<<  <   >  >>