[الباب الثالث: دلالة السورة على وجوب الإيمان باليوم الآخر]
[الفصل الأول: مباحث في اليوم الآخر قبل دخول الجنة والنار]
[المبحث الأول: النفخ في الصور]
...
تمهيد:
إن الله تعالى فطر الإنسان على الإحساس بوجود عالم آخر بعد الموت، وهذا من أقوى الأدلة على وجود اليوم الآخر لأن الله ـ جل وعلا ـ إذا أراد أن يقنع بني الإنسان بأمر ما فإنه يغرس فكرة الاقتناع به في فطرهم، ولذا فإن الإنسان يشتاق إلى حياة خالدة ولو في عالم غير هذا العالم وهذا الإحساس شائع في نفوس البشر بحيث لا يمكن النظر إليه باستخفاف ولذلك جاءت الأديان السماوية مبشرة بحياة أخرى بعد الموت وجعلت مصير كل إنسان مرتهناً بما قدمت يداه في الحياة الدنيا وهذا مما يكسب الإنسان زيادة إيمان بربه، وما جاءت به رسله فيقدم الأعمال الصالحة استعداداً بها ليوم المعاد ولما كان القرآن الكريم خاتماً لجميع الرسالات السماوية، وليس بعده أي رسالة تبين للناس ما يختلفون فيه، وما يستجد في حياتهم فإنه جاء وافياً بمطالب الروح والجسد في تعاليمه وتوجيهاته ولما كان مرتكز الجدل في بني الإنسان جبلة وطبعاً كما قال تعالى:{وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً} ١ ولما كان الإقتناع أيضاً: بحياة أخرى بعد الموت من الأمور التي شغلت فكر الإنسان، فإن القرآن الكريم جاء وافياً بالأدلة والبراهين القاطعة على البعث والجزاء، وعرض ذلك في نماذج حية، وضمنها شبه المنكرين، ولم يتركها تمر دون مناقشة لها، بل أبطل شبههم بالمنطق الصحيح والبراهين العقلية التي تزيل فكرة الفناء الأبدي التي علقت ببعض الأفكار السقيمة، وتطمئن الإنسان وتدفعه للعمل الصالح وتحيي عنده آمال التسابق إلى الدرجات العلى في حياة أفضل وقد ذكرت بعضاً من تلك البراهين في "المبحث الثالث" من هذا الفصل، ولقد دعا القرآن إلى الإيمان باليوم الآخر بأساليب متنوعة لا يقفل قلبه عنها إلا دهري جحود فيجب على المسلم التصديق الجازم بجميع ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذابه. ونعيمه، والبعث