للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} ١ فلم يزل ـ تعالى ـ يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك في بني آدم في قوم نوح الذين أرسل إليهم نوح وكان أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض إلى أن ختمهم بمحمد صلى الله عليه وسلم الذي طبقت دعوته الإنس والجن في المشارق والمغارب وكلهم كما قال الله ـ تعالى ـ {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} ٢. وقوله تعالى {وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ} ٣.

وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} .

فكيف يسوغ لأحد من المشركين بعد هذا أن يقول {لَوْ شَاءَ اللهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْء} ٤ فمشيئته ـ تعالى ـ الشرعية عنهم منتفية٥ لأنه نهاهم عن ذلك على ألسنة رسله، وأما مشيئته الكونية وهي تمكينهم من ذلك قدراً فلا حجة لهم فيها، لأنه ـ تعالى ـ خلق النار وأهلها من الشياطين والكفرة وهو لا يرضى لعباده الكفر وله في ذلك حجة بالغة، وحكمة قاطعة" اهـ٦.

وبهذا يتبين بطلان احتجاج المشركين بالقدر على ما هم واقعون فيه من الكفر والمعاصي والإشراك بالله ـ تعالى ـ وأنه لا حجة لهم فيه لانتفاء الإرادة الشرعية عنهم ولذلك نهاهم الله ـ تعالى ـ عن طريق الرسل.

وروى مسلم في صحيحه بإسناده إلى أبي هريرة رضي الله ـ تعالى ـ عنه قال: جاء مشركو قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخاصمونه في القدر فنزلت {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} ٧ وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حصل بعض الخصام في القدر بين الصحابة رضي الله عنهم فصادف مجيء النبي صلى الله عليه وسلم وهم


١- سورة النحل آية: ٣٦.
٢- سورة الأنبياء آية: ٢٥.
٣- سورة الزخرف آية: ٤٥.
٤- سورة النحل آية: ٣٥.
٥- التعبير بالمشيئة عن الإرادة الدينية الشرعية لم يرد في الكتاب والسنة، بل المشيئة لم تأت إلا كونية قدرية بخلاف لفظ الإرادة فإنه جاء للمعنى الشرعي والمعنى القدري.
٦- تفسير ابن كثير ٤/١٩٣/١٩٤.
٧- انظر صحيح مسلم بشرح النووي ١٦/٢٠٥ والآيات من سورة القمر ٤٨ ـ ٤٩.

<<  <   >  >>