للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يختصمون فاحمر وجهه غضباً لذلك فقال: "بهذا أمرتم أو لهذا خلقتم تضربون القرآن بعضه ببعض بهذا هلكت الأمم قبلكم" ١.

فانتهى الصحابة عن ذلك فلم يعودوا لمثل ذلك قط.

ولم يظهر القول في القدر إلا بعد مضي نصف القرن الأول على وجه التقريب. فأثار القول فيه رجل يدعى "معبد الجهني". وقد تلقى هذا القول الباطل المخالف للكتاب والسنة وإجماع الأمة في إثبات القدر عن أحد النصارى كان قد أسلم، ثم ارتد إلى النصرانية. فقام تلميذه "معبد الجهني" بنشر قوله بين الناس.

روى مسلم في صحيحه بإسناده إلى يحيى بن يعمر أنه قال: "كان أول من قال في القدر بالبصرة "معبد الجهني" فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين أو معتمرين فقلنا: لو لقينا أحداً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلاء في القدر فوفق لنا عبد الله بن عمر بن الخطاب داخلاً المسجد فاكتنفته أنا وصاحبي أحدنا عن يمينه والآخر عن شماله فظننت أن صاحبي سيكل الكلام إلي فقلت: أبا عبد الرحمن إنه قد ظهر قبلنا ناس يقرؤون القرآن ويتقفرون العلم وذكر من شأنهم، وأنهم يزعمون أن لا قدر وأن الأمر "أنف" قال: فإذا لقيت أولئك فأخبرهم أني بريء منهم وأنهم برآء مني والذي يحلف به عبد الله بن عمر لو أن لأحدهم مثل أحد ذهباً فأنفقه ما قبل الله منه حتى يؤمن بالقدر"٢.

ومما يؤكد أيضاً أن معبداً تلقى القول في القدر عن أحد النصارى قول الأوزاعي "أول من نطق في القدر: رجل من أهل العراق يقال له "سوسن" كان نصرانياً فأسلم ثم تنصر فأخذ عنه معبد الجهني وأخذ غيلان٣ عن معبد٤ ٥


١- سنن ابن ماجة ١/٣٣.
٢- صحيح مسلم ١/٣٦ ـ ٣٧ وانظر مجموع الفتاوى ٨/٤٥٠.
٣- هو غيلان بن مسلم الدمشقي أبو مروان وهو الذي تنسب إليه فرقة "الغيلانية" وهو ثاني من تكلم في القدر ودعا إليه، ولم يسبقه في ذلك سوى معبد الجهني قال الذهبي: "ضال مسكين" انظر ميزان الاعتدال ٣/٣٣٨، الأعلام ٥/٣٢٠.
٤- هو معبد بن عبد الله بن عويم الجهني البصري أول من قال بالقدر في البصرة سمع الحديث من ابن عباس وعمران بن حصين وغيرهما وحضر يوم "التحكيم" وانتقل من البصرة إلى المدينة فنشر فيها مذهبه وعنه أخذ "غيلان" المتقدمة ترجمته قيل: قتله الحجاج صبراً بعد أن عذبه، وقيل صلبه عبد الملك بن مروان بدمشق على القول في القدر ثم قتله. انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" ١٠/٢٢٥، ميزان الاعتدال ٤/١٤١، شذرات الذهب ١/٨٨، البداية والنهاية ٩/٣٤.
٥- انظر "كتاب الشريعة" للآجري ص٢٣٤، واللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة برقم ١٣٩٧.

<<  <   >  >>