للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال ابن عون: "أدركت الناس وما يتكلمون إلا في علي وعثمان حتى نشأ هاهنا حقير يقال له: "سنسويه البقال قال: فكان أول من تكلم بالقدر١ وذكر ابن سعد في الطبقات أن اسمه "سنهويه"٢ ومذهب القدرية عند ظهوره كان هو "إن الأمر أنف" كما تقدم عند مسلم عن يحيى بن يعمر ومعنى "إن الأمر أنف" أي: لم يسبق به قدر ولا علم من الله ـ تعالى ـ وإنما يعلمه بعد وقوعه"٣ فكان مذهب القدرية مبنياً على أمرين:

الأمر الأول: إنكارهم علم الله السابق بالحوادث.

الأمر الثاني: أن العبد هو الذي يوجد أفعاله.

والقائلون بهذا القول قد انقرضوا وهلكوا ولم يبق لهم وجود. قال الحافظ: قال القرطبي وغيره: "قد انقرض هذا المذهب ولا نعرف أحداً ينسب إليه من المتأخرين قال: والقدرية اليوم مطبقون على أن الله عالم بأفعال العباد قبل وقوعها وإنما خالفوا السلف في زعمهم بأن أفعال العباد مقدورة لهم وواقعة منهم على جهة الإستقلال، وهو مع كونه مذهباً باطلاً أخف من المذهب الأول" اهـ٤.

وهذا المذهب الأخف الذي ذكره الحافظ تبنته المعتزلة وحملة راية سلفهم من بعدهم وقد تشعبت فرقها القائلة به وتنوعت مذاهبها حوله.

قال الحافظ: وأما المتأخرون منهم فأنكروا تعلق الإرادة بأفعال العباد فراراً من تعلق القديم بالمحدث، وهم مخصومون بما قال الشافعي: "إن سلم القدري العلم خصم يعني: يقال له: أيجوز أن يقع في الوجود خلاف ما تضمنه العلم؟ فإن منع وافق قول أهل السنة وإن أجازه لزمه نسبة الجهل إلى الله تعالى الله عن ذلك"٥.

وحقيقة اعتقاد القدرية في نفي القدر إنما هو مضادة لنصوص الكتاب والسنة ومخالف لإجماع الأمة وقد وردت في السنة نصوص كثيرة فيها الوعيد الشديد لمن كذب


١- شرح اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائي برقم ١٣٩٦.
٢- الطبقات لابن سعد ٧/٢٦٤.
٣- هكذا فسره النووي في شرحه على صحيح مسلم ١/١٥٦.
٤- فتح الباري ١/١١٩.
٥- الفتح ١/١١٩.

<<  <   >  >>