للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما الواحد القهار ـ سبحانه ـ الذي خضع لأمره كل شيء وبسط سلطانه على جميع هذا الكون فهو الغني عن العالمين لأنه خالقهم ورازقهم ومدبر أمورهم ولو شاء أن يتخذ ولداً لأصطفى من خلقه ما يشاء ولكنه ـ سبحانه ـ لا يشاء ما يخالف حكمته وينافي كماله ـ سبحانه ـ هو الله الواحد القهار، وقد جمع الله ـ سبحانه ـ بين وحدانيته وقهره في عدة مواضع من كتابه:

قال تعالى: حكاية عن يوسف عليه السلام: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} ١.

فهذه الآية تبين لنا أن نبي الله يوسف عليه السلام دعا صاحبي السجن إلى الله وإلى الإسلام وقال لهما: أعبادة أرباب شتى متفرقين وآلهة لا تنفع ولا تضر خير أم عبادة المعبود الواحد الذي لا ثاني له في قدرته وسلطانه الذي قهر كل شيء فذلله وسخره فأطاعه طوعاً وكرهاً٢.

وقال تعالى: {قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لا يَمْلِكُونَ لأنْفُسِهِمْ نَفْعاً وَلا ضَرّاً قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُمَاتُ وَالنُّورُ أَمْ جَعَلُوا للهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} ٣.

بدأ ـ سبحانه ـ في هذه الآية بالإشارة إلى مظاهر قهره، وطاعة سائر المخلوقات له من خلق السموات والأرض، ثم أشار ـ سبحانه ـ بأنه لا يستوي الأعمى والبصير، كما لا تستوي الظلمات والنور ليوجه أذهان العباد إلى أن الذي خلق السموات والأرض هو الجدير بأن يخصه الناس بالعبادة ثم أشار إلى ضلال المشركين الذين انصرفوا عن عبادة الله ودعوا سواه، ما الذي صرفهم عن عبادة الواحد القهار؟ أظنوا أن له شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم فاختلط الأمر في أعينهم فلم يميزوا بين خلق ـ الباري ـ وخلق عيره فعبدوا من ظنوهم خالقين مع الله، ولو تدبروا وتفكروا قليلاً لعرفوا أن الله سبحانه هو خالق كل


١- سورة يوسف، آية: ٣٩.
٢- انظر جامع البيان: ١٢/٢١٩.
٣- سورة الرعد، آية: ١٦.

<<  <   >  >>