للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأما ما عداه فإن صاحبه في مشيئة ربه إن شاء تفضل عليه فعفا له عنه وإن شاء عدل عليه فجازاه به.

وأما قوله: {لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ} فإنه يعني: لا تيأسوا من رحمة الله وقوله: {إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} يقول: إن الله يستر على الذنوب كلها بعفوه عن أهلها وتركه عقوبتهم عليها إذا تابوا منها {إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} بهم أن يعاقبهم عليها بعد توبتهم منها. أ. هـ١.

وأما العلامة ابن كثير رحمه الله تعالى فقد قال حول الآية: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً} "هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة".

وإخبار بأن الله ـ تبارك وتعالى ـ يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب منها ورجع عنها وإن كانت مهما كانت، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر ولا يصح حمل هذه على غير توبة لأن الشرك لا يغفر لمن لم يتب منه٢.

وقد استدل ابن كثير ـ رحمه الله تعالى ـ على أنه لا يصح حمل هذه الآية على غير توبة بما رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن ناساً من أهل الشرك كانوا قد قتلوا فأكثروا، وزنوا فأكثروا فأتوا محمداً صلى الله عليه وسلم فقال: إن الذي تقول، وتدعوا إليه لحسن لو تخبرنا بأن لما عملنا كفارة فنزل {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ} ٣ ونزل {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ} ٤.

قال ابن كثير: والمراد من الآية الأولى ـ أي آية الفرقان ـ قوله تعالى: {وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتَاباً} ٥.


١- جامع البيان ٢٤/١٤ ـ ١٧.
٢- تفسير القرآن العظيم ٦/١٠٠. وانظر مجموع الفتاوى ١٦/١٨ ـ ٣٢.
٣- سورة الفرقان، آية: ٦٨.
٤- صحيح البخاري ٣/١٨٢، ورواه مسلم أيضاً: ٤/٢٣١٨.
٥- تفسير القرآن العظيم ٦/١٠٠ والآية رقم ٧١ من سورة الفرقان.

<<  <   >  >>