للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال تعالى: {هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ١.

ففي هذه الآية إخبار من الله ـ تعالى ـ بأنه يرضى عن عباده المؤمنين ويرضون عنه وقال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} ٢. وقال تعالى: {لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} ٣. وقال تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} ٤.

فأخبر ـ تعالى ـ في هذه الآية بأنه لا يرضى بما يبيتونه من القول المشتمل على شهادة الزور والبهت ورمي البريء وبراءة الجاني إذ الآية نزلت في حادثة هذا شأنها٥.

مع أن كل ذلك واقع بمشيئته ـ سبحانه ـ إذ أجمع المسلمون على أن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، ولم يخالفهم في هذا إلا القدرية النفاة الذي يقولون: يشاء ما لا يكون، ويكون ما لا يشاء.

فالآيات السابقة دلت دلالة صريحة على إثبات الرضا ـ لله جل وعلا ـ إثباتاً يليق بجلاله فإذا نفاها نافٍ أو تأولها متأول بغير المراد منها فمعنى ذلك أنه يدعي أنه أعلم بصفات الله من الله ـ سبحانه وتعالى ـ تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً فلا يجوز نفي أي صفة من صفاته ـ تعالى ـ أو تأوليها بغير ما يدل عليه ظاهرها كأن تؤول صفة الرضا بإرادة الثواب، وصفة الغضب بإرادة العقاب إذ هذا من تحريف الكلم عن مواضعه، واعتراض على الله فيما أثبته لنفسه، كما لا يجوز أن يقال: إن رضاه ـ تعالى ـ كرضا المخلوقين كما هو مذهب الكرامية المشبهة إذ الفرق بين رضا الخالق، ورضا المخلوق كالفرق بين الذات والذات، ذات الخالق، وذات المخلوق فكما أنه لا تشابه بين ذات الخالق وذات المخلوق، فكذلك لا


١- سورة المائدة آية: ١١٩.
٢- سورة التوبة آية: ١٠٠.
٣- سورة الفتح آية: ١٨.
٤- سورة النساء آية: ١٠٨.
٥- مدارج السالكين ١/٢٥٣، فتح القدير ١/٥١٢؛ لباب النقول في أسباب النزول ص٨١.

<<  <   >  >>