للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالآية الأولى: منها هي قوله تعالى: {فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} فهذه الآية أمر من الله ـ جل وعلا ـ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن يخلص لله جميع دينه من العبادات الظاهرة والباطنة، وأن يفرد الله بها وحده، ويقصد بها وجهه ولا يتطلع إلى أي مقصد آخر، وأمته تبع له في ذلك، وإن كان الخطاب موجهاً له أصلاً وذاتاً فالخطاب موجه إلى كل مكلف من العباد.

قال العلامة ابن جرير حول هذه الآية: {فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} :

"يقول تعالى ذكره: فاخشع لله يا محمد بالطاعة، وأخلص له الألوهية وأفرده بالعبادة ولا تجعل له في عبادتك إياه شريكاً كما فعلت عبدة الأوثان" اهـ١.

وقال ابن كثير: أي: "فاعبد الله ـ وحده ـ لا شريك له وادع الخلق إلى ذلك وأعلمهم أنه لا تصلح العبادة إلا له ـ وحده ـ وأنه ليس له شريك ولا عديل ولا نديد"٢.

وأما الآية الثانية: فهي قوله تعالى: {أَلا لله الدِّينُ الْخَالِصُ} فهي تقرير للأمر في الآية السابقة بإخلاص العبادة لله وحده لا شريك له، فكما أنه ـ سبحانه ـ له الكمال المطلق، وله التفضل كله على عباده من جميع الوجوه، فكذلك له الدين الخالص الذي صفي من كل شوائب الشرك صغيرها، وكبيرها، وهذا هو الدين الذي ارتضاه لنفسه وارتضاه لرسله الكرام عليهم الصلاة والسلام، وأمرهم به لأنه يتضمن التأله لله في حبه ورجائه، وخوفه، والإنابة إليه في العبودية، والرجوع إليه في تحصيل جميع المطالب لعباده، ومتى كانت العبادة خالصة لله كانت سبباً لصلاح القلوب وتزكيتها وتطهيرها أما إذا كانت ملوثة بالشرك فإن الله بريء منها، وليس له فيها شيء فهو الغني عن عبادة شابها شرك لأنه ـ سبحانه ـ أغنى الشركاء عن الشرك الذي هو مفسد للقلوب والأرواح ومشقٍ للنفوس في الآخرة والأولى.

وأما الآية الثالثة: فهي قوله: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ} فهذه الآية أيضاً: فيها الأمر من الله ـ تبارك وتعالى ـ لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن يقول للمشركين من قومه: إن الله أمره أن يعبده مفرداً له الطاعة دون كل ما يدعى من دونه من الآلهة والأنداد التي يعبدها المشركون.


١- جامع البيان ٢٣/١٩٠.
٢- تفسير ابن كثير ٦/٧٨.

<<  <   >  >>