للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مثل قوله تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} ١. ومثل قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ الله} ٢ ومثل قوله تعالى: {وإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ* اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ} ٣. ونحو ذلك من الآيات فهذه الصفات تتضمن مدحاً وكمالاً ـ للبارئ سبحانه ـ لكن لا يجوز أن يقال: الله مخادع، ماكر، مستهزئ، ولا يقال: الله يستهزئ، ويخادع ويمكر على سبيل الإطلاق دون ذكر الاستهزاء والمخادعة، والمكر بأعدائه٤.

الأمر الرابع:

أن دلالة أسمائه ـ تعالى ـ حق على حقيقتها مطابقة، وتضمناً والتزماً، فدلالة اسمه "الرحمن" على ذاته ـ عز وجل ـ مطابقة وعلى صفة الرحمة تضمناً، وعلى الحياة وغيرها التزاماً وهكذا سائر أسمائه ـ تعالى ـ فإن الله ـ تبارك وتعالى ـ هو الإله وما سواه عبيد، وهو الرب وما سواه مربوب، وهو الخالق وما سواه مخلوق فلو كانت أسماء الله ـ تعالى ـ غيره، كما زعم ذلك أهل الأهواء لكانت مخلوقة مربوبة محدثة معرضة للفناء، إذ كل ما سواه ـ سبحانه ـ فانٍ.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ: في معرض بطلان قول القائلين بأن صفات الله ـ تعالى ـ غيره لأن مسمى اسم "الله" يدخل فيه صفاته بخلاف مسمى الذات فإنه لا يدخل فيه الصفات.

ولهذا لا يقال: "صفات الله زائدة عليه ـ سبحانه وتعالى ـ، وإن قيل: الصفات زائدة على الذات لأن المراد زائدة على ما أثبته المثبتون من الذات المجردة، والله هو الذات الموصوفة بصفاته اللازمة فليس "اسم الله" متناولاً لذات مجردة عن الصفات أصلاً، ولا يمكن وجود ذلك، ولهذا قال أحمد٥ رحمه الله في

مناظرة الجهمية٦ لا


١- سورة النساء، آية: ١٤٢.
٢- سورة آل عمرا، آية: ٥٤.
٣- سورة البقرة، آية: ١٤ ـ ١٥.
٤- انظر بدائع الفوائد ١/١٦٢.
٥- هو: الإمام أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال بن أسد الشيباني المروزي ثم البغدادي الفقيه، الحافظ. ولد سنة أربع وستين ومائة. وتوفي سنة إحدى وأربعين ومائتين هجرية. انظر ترجمته في: تذكرة الحفاظ ٢/٤٣١، طبقات الحنابلة ١/٤، صفة الصفوة ٢/٣٣٦، تهذيب الكمال ١/٤٣٧.
٦- هي: إحدى الطوائف المنحرفة تتبع الجهم بن صفوان الذي قال: بالإجبار والاضطرار إلى الأعمال، وأنكر الاستطاعات كلها وزعم أن الجنة والنار تبيدان وتفنيان وزعم أيضاً: أن الإيمان هو المعرفة بالله ـ تعالى ـ فقط، وأن الكفر هو الجهل به فقط، وقال: لا فعل ولا عمل لأحد غير الله ـ تعالى ـ وإنما تنسب الأعمال إلى المخلوقين على المجاز، ونفي أسماء الله ـ تعالى ـ وصفاته كلية". انظر: "الفرق بين الفرق" ص٢١١، الملل والنحل ١/٨٦، اعتقادات فرق المسلمين والمشركين للرازي ص٦٨.

<<  <   >  >>