للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فيتبين من تعريف الدعاء في اللغة والشرع أن الدعاء في الأصل هو الطلب ويطلق على العبادة، وقد دلت السورة على أن الدعاء عبادة وأنه لله ـ وحده ـ لا شريك له في آيتين منها: ـ

قال تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَ لله أَنْدَاداً لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} .

وقال تعالى: {فَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَانَا ثُمَّ إِذَا خَوَّلْنَاهُ نِعْمَةً مِنَّا قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ بَلْ هِيَ فِتْنَةٌ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ. قَدْ قَالَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ. فَأَصَابَهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَالَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ هَؤُلاءِ سَيُصِيبُهُمْ سَيِّئَاتُ مَا كَسَبُوا وَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ} .

فالآيتان الأوليان من هذه الآيات الأربع بين الله تعالى فيهما أن العبد إذا نزل به البلاء وأحاطت به المحن جأر إلى الله وفزع إليه بالدعاء لما تقرر في فطرته أنه لا يكشف ما به من البلاء والمحن إلا الله ـ تعالى ـ الذي أوجده من قبل ولم يك شيئاً، ثم إنهما توضحان ما تنطوي عليه تلك الفطرة، وما يعتريها من التغيرات والتقلبات في حالتي الشدة والرخاء.

فالآية الأولى: وهي قوله تعالى: {وَإِذَا مَسَّ الإنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ} الآية يخبر الله تعالى فيها عن كرمه وإحسانه وبره بعبده وقلة شكر عبده على ذلك وأنه حين يمسه الضر من المرض، أو الفقر، أو الوقوع في الكربات يعلم أنه لا ينجيه ولا ينقذه منها إلا الله فيدعوه ملحاً متضرعاً منيباً، ويستغيث به في كشف ما نزل به ويلح في ذلك فإذا ما أنعم الله عليه بكشف ما نزل به من الضر والكرب نسي ذلك الذي دعا الله من أجله ومر كأنه لم يصبه شيء فرجع إلى الشرك بأن جعل لله الأنداد وهم الشركاء والأمثال والأشباه فضل بنفسه وأضل غيره لأن إضلاله لغيره متولد وناتج عن ضلاله. ثم أمر الله نبيه بأن يقول لمن اشتهر بهذا العتو، وهو تبديل نعمة الله كفراً {تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} فلا ينفعه ما يتمتع به في هذه الدنيا من الأموال وسائر النعم إذا كان المآل هو النار١.


١- جامع البيان عن تأويل آي القرآن ٢٣/١٩٩ ـ ٢٠٠، تفسير القرآن العظيم ٦/٨١، الجامع لأحكام القرآن ١٥/٢٣٧ ـ ٢٣٨، فتح القدير للشوكاني ٤/٤٥٢.

<<  <   >  >>