للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التعقيب بعد الأمر بالدعاء فيها بقوله: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} .

وقد روى الترمذي بإسناده إلى النعمان بن بشير رضي الله ـ تعالى ـ عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول على المنبر: "إن الدعاء هو العبادة ثم قرأ {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} " قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح١.

فهذه الآيات التي قدمنا ذكرها دلت دلالة صريحة على أن نوعي الدعاء بينهما تلازم كما قدمنا ذلك قريباً، فينبغي للإنسان أن يكون على معرفة بهذا وأن يحققه جيداً حتى يستطيع الرد على القبوريين الذين يدعون أهل القبور من دون الله ـ تعالى ـ ويحتجون على من أنكر عليهم فعلهم ذلك بأن الدعاء الذي أمر الله بأن يكون خالصاً له وحده لا شريك له إنما هو دعاء العبادة وليس المسألة ويزعمون أن قوله ـ تعالى ـ {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لله فَلا تَدْعُو مَعَ الله أَحَداً} ٢. أي لا تعبدوا مع الله غيره، والرد عليهم سهل ويسير فيقال لهم: سلمنا لكم جدلاً أن المراد به دعاء العبادة لكن لا يمنع ذلك من أن يدخل فيه دعاء المسألة لأن دعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة ويقال لهم أيضاً: إن الله ـ تعالى ـ أمر عباده بأن يدعوه دعاء مسألة في مواضع كثيرة من كتابه. قال تعالى: {قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} ٣ فهذه الآية واضحة في دعاء المسألة، ويؤيد ذلك سبب نزولها وهو أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو ربه فيقول مرة: "يا الله"، ومرة "يا رحمن" فظن الجاهلون من المشركين أنه يدعو إلهين فأنزل الله هذه الآية. قال ابن عبد الله عباس رضي الله عنهما: "سمع المشركون النبي صلى الله عليه وسلم يدعو في سجوده "يا رحمن يا رحيم" فقالوا: هذا يزعم أنه يدعو واحداً وهو يدعوه مثنى مثنى"، فأنزل الله هذه الآية: {قُلِ ادْعُوا اللهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ} ٤ ومعنى هذه الآية الكريمة: الأمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن يقول للمشركين الذين أنكروا صفة الرحمة لله ـ عز وجل ـ المانعين من تسميته


١- سنن الترمذي ٥/٥٢.
٢- سورة الجن آية: ١٨.
٣- سورة الإسراء آية: ١١٠.
٤- مجموع الفتاوى ١٥/١٤، بدائع الفوائد ٣/٥، تفسير ابن كثير ٤/٣٥٩.

<<  <   >  >>