للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومكروهي {ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ} أي: لا تؤخرون ذلك، ثم انظروا ما عسى أن تنالوني به من السوء أنتم وآلهتكم، فإبراهيم وهود عليهما السلام بينا أن خوف السر لا يكون إلا من الله وهو الذي بعث الله النبيين من أجله، وهذا النوع من الخوف هو ما وقع فيه القبوريون في زمننا هذا، فإنهم يخافون الصالحين وطواغيتهم كما يخافون الله بل أشد، بل إنه وصل الحد بهم إذا وجبت اليمين على أحدهم، فإنه يحلف بالله إيماناً لا حد لها سواء كان كاذباً، أو صادقاً الأمر عنده سيان، وإذا طلب منه اليمين بصاحب القبر لم يحلف إن كان كاذباً وما ذلك إلا لأنه يعتقد أن الضرر الذي يلحقه من صاحب القبر أسرع وأقرب فالتعظيم في قلبه لذلك الولي أقوى من تعظيمه لله بكثير، وهذه الحال لم يصل إليها المشركون الأولون، بل غاية الأمر عندهم أنهم كانوا يحلفون بالله جهد أيمانهم.

النوع الثاني: من أنواع الخوف أن يترك العبد ما يجب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد لأعداء الله وليس هناك أي عذر سوى أنه يخاف غير الله من بني الإنسان ولقد نهى الله عن هذا بقوله ـ عز وجل ـ {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} ١.

روى الإمام أحمد في مسنده من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يحقرن أحدكم نفسه إذا رأى أمر الله فيه مقال أن يقول فيه فيقال له يوم القيامة ما منعك أن تقول فيه فيقول يا رب خشيت الناس قال: فأنا أحق أن تخشى" ٢.

فالحديث يبين أن أحق من يخشى إنما هو الله ـ تعالى ـ.

النوع الثالث: خوف الوعيد الذي توعد الله به العاصين قال تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} ٣ وقال تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} ٤ وقال تعالى: {قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} ٥ وهذا النوع يعتبر من


١- سورة آل عمران آية: ١٧٥.
٢- المسند ٣/٤٧ ـ ٤٨.
٣- سورة إبراهيم آية: ١٤.
٤- سورة الدهر آية: ٧.
٥- سورة هود آية: ٢٦.

<<  <   >  >>