للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال تعالى في وصفه رسله وأنبياءه بالتوكل عليه:

{وَمَا لَنَا أَلاَّ نَتَوَكَّلَ عَلَى اللهِ وَقَدْ هَدَانَا سُبُلَنَا} ١ دلت هذه الآية على أن الجمع بين التوكل والهداية من تحقق الإيمان، ومصيبة الإنسان إما من عدم الهداية وإما من عدم توكله على الله، كما دلت أيضاً على أن الرسل عليهم الصلاة والسلام كان حالهم التوكل على الله وحده، والقرآن مملؤ بذكر التوكل إما أمراً به، وإما إخباراً عن خاصة الله وأوليائه وهم المؤمنون بأنهم حققوا عبودية التوكل، وقد أمر الله نبيه وخاتم رسله بالتوكل عليه في مواضع كثيرة من كتابه وسماه المتوكل كما روى ذلك البخاري من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن هذه الآية التي في القرآن {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً} ٢ قال في التوراة: "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ٣ ولا سخاب٤ بالأسواق ... " الحديث٥.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن السبعين الألف الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب بأن لهم النصيب الأوفر في تحقيق مقام التوكل.

روى البخاري في صحيحه بإسناده إلى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب. هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون" ٦.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى حول هذا الحديث: "إن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الوصف الذي يستحق به هؤلاء هو دخول الجنة بغير حساب هو تحقيق التوحيد وتجريده فلا يسألون غيرهم أن يرقيهم ولا يتطيَّرون وعلى ربهم يتوكلون، والطِّيرة نوع من الشرك، ويتوكلون


١- سورة إبراهيم آية: ١٢.
٢- سورة الأحزاب آية: ٤٥.
٣- الفظ: سيء الخلق، وفلان أفظ من فلان أي أصعب خلقاً ـ والمراد هنا: أنه صلى الله عليه وسلم رفيقاً بأمته في التبليغ غير فظ ولا غليظ. النهاية ٣/٤٥٩.
٤- السَّخب والصخب: بمعنى الصياح. النهاية ٢/٣٤٩.
٥- صحيح البخاري ٣/١٨٩ ـ ١٩٠، المسند ٢/١٧٤.
٦- صحيح البخاري مع الفتح ١١/٣٠٥.

<<  <   >  >>