للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قال ـ يعني إذا خرج من بيته ـ بسم الله توكلت على الله. ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له: هديت ووقيت وكفيت ـ فيقول الشيطان لشيطان آخر: كيف لك برجل قد هدي وكفي ووقي ... ؟ " ١.

وبالجملة فإنه ورد الكثير من النصوص في الكتاب والسنة في بيان فضل التوكل على الله وإخلاصه لله ـ وحده لا شريك له ـ فما على العبد إلا أن يسعى جاهداً في تحقيق عبودية التوكل ويفوض أمره إلى الله ويعتمد عليه وحده ويحسن ظنه بربه، وعلى قدر حسن ظن العبد بربه ورجائه له يكون توكله عليه، وذلك لأن حسن الظن بالله يدعو العبد إلى التوكل عليه، ولا يمكن حصول التوكل على من ساء ظنه به، ولا يمكن التوكل على من لا يرجوه.

ولا يتحقق التوكل إلا بأمرين:

أحدهما: علم القلب ومعناه: أن يكون موقناً بكفاية الله الذي توكل عليه وكمال قيامه بما وكله إليه، وأن غير الله لا يقوم مقامه في ذلك بحال فلا بد من معرفة الرب ـ تعالى ـ ومعرفة صفاته من القدرة والكفاية والقيومية وانتهاء جميع الأمور إلى علمه ـ تعالى ـ وصدورها عن مشيئته وقدرته، فهذه المعرفة هي أول خطوة يحقق بها العبد عبودية التوكل، فلا يتصور التوكل ممن أنكر صفات الله ـ تعالى ـ كما لا يمكن أن يكون ممن يعتقد بأنه يقع في ملك الله ما لا يشاء إذن فلا يحصل التوكل إلا ممن أثبت لله ما أثبته لنفسه وأثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم دون تكييف أو تعطيل، فالذي يقول إن الله لا يعلم جزئيات العالم سفليه وعلويه، أو يقول أن الله ليس فاعلاً باختياره، وليس له إرادة ومشيئة ولا تقوم به صفة من أين يصح توكله؟ إذن لا بد للعبد أن يكون على علم ومعرفة بالرب ـ سبحانه وتعالى ـ وما يليق به من صفات جلاله وعظيم سلطانه حتى يصح توكله، ويكون قوياً.

الأمر الثاني: الذي يتحقق به التوكل.

عمل القلب، ومعناه: أن يسكن إلى وكيله ويطمئن إليه ويفوضه ويسلم الأمر إليه ويرضى بتصرفه له فوق رضاه بتصرفه هو لنفسه فبالأصلين المذكورين يتحقق التوكل، وهما لبه، وإن كان التوكل داخلاً في عمل القلب من ناحية علمه بالله ـ تعالى ـ قال الإمام


١- سنن أبي داود ٢/٦١٩. ورواه الترمذي ٥/١٥٤.

<<  <   >  >>