للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشفاعة للمؤمنين أيضاً ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم يشفع لهم لكان قد أغنى عنهم وأجزى فكان لا يصح أن يقول تعالى: {لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} ولما صح أن قول {وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ} وقد قبلت شفاعته صلى الله عليه وسلم فيهم، ولما صح أن يقول: {وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ} لأن قبول الشفاعة وإسقاط العقاب إلى المغفرة أعظم من كل فداء لهم عما قد استحقوه من المضرة، بل كان يجب أن تكون الشفاعة فداء لهم عما قد استحقوه من حيث تزول بها ولمكانها، ولما صح أن يقول: {وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ} وأعظم النصرة تخليصهم من العذاب الدائم بالشفاعة فالآية دالة على ما نقوله من جميع هذه الوجوه" أ. هـ١. ونحن نقول له إن ذلك غير صحيح وأن مذهبك هذا ومذهب أتباعك من المعتزلة ظاهر الفساد والبطلان لمخالفته الكتاب والسنة وإجماع الأمة في ثبوت الشفاعة لأهل الكبائر.

قال البيضاوي حول الآية السابقة التي استدل بها عبد الجبار بن أحمد على نفي الشفاعة "وقد تمسكت المعتزلة بهذه الآية على نفي الشفاعة لأهل الكبائر وأجيب بأنها مخصوصة بالكفار للآيات والأحاديث الواردة في الشفاعة، ويؤيده أن الخطاب معهم والآية نزلت رداً لما كانت اليهود تزعم أن آباءهم تشفع لهم" اهـ٢.

ويرد على المعتزلة والخوارج الذين نفوا الشفاعة من وجوه:

١ ـ إن الشفاعة ثابتة بالقرآن والأخبار المتواترة.

٢ ـ الإجماع: من السلف على تلقي هذه الأخبار بالقبول، ولم يبد من أحد منهم في عصر من الأعصار نكير فظهور الأخبار الواردة فيها وإطباقهم على صحتها، وقبولها لها دليل قاطع على صحة عقيدة أهل السنة وفساد مذهب المعتزلة والخوارج٣.

٣ ـ إن أهل العلم قد جمعوا بين الآيات الواردة في نفي الشفاعة وبين الآيات الدالة على إثبات الشفاعة، بأن الآيات الواردة في نفي الشفاعة والشفيع المراد بها الشفاعة للكفار٤


١- متشابه القرآن القسم الأول: ٩٠ ـ ٩١.
٢- أنوار التنزيل ١/٥٥.
٣- تفسير القرطبي ١/٣٧٨ ـ ٣٧٩.
٤- شرح النووي على صحيح مسلم ٣/٣٥، فتح الباري ١١/٤٢٦، تفسير ابن جرير الطبري ١/٢٦٧، تفسير الرازي ٣/٥٦ وما بعدها، الجامع لأحكام القرآن ١/٣٧٨ وما بعدها، تفسير النسفي ١/٤٧.

<<  <   >  >>