للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وَالأَرْضَ بِالْحَقِ} أنه خالقهما بالحق المتجرد عن اللهو والعبث، وبث فيهما من الحكم العظيمة التي يتجلى بعضها لعباده المتفكرين المتدبرين في خلقهما.

وأما قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِي مَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُون} فهذه الآية فيها أمر للنبي صلى الله عليه وسلم: بأن يدعو الله وحده لا شريك له الذي خلق السموات والأرض وفطرها على غير مثال سابق قال ابن جرير الطبري عند قوله تعالى: {خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِ} يقول تعالى ذكره معرفاً خلقه حجته عليهم في توحيده، وأنه لا تصلح الألوهية إلا له: "خلق ربكم أيها الناس السموات والأرض بالعدل ـ وهو الحق ـ منفرداً بخلقها لم يشركه في إنشائها وإحداثها شريك ولم يعنه عليها معين"١. فالإله الحق الذي يستحق أن يعبد هو من يخلق وينشئ السموات والأرض، وليس ذلك في مقدور أحد سوى رب العالمين الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده دون سواه، فالسموات جعلها الله سقفاً محفوظاً تتألف من سبع طبقات وفيها من مخلوقات الله العجيبة ما الله بها عليم يحكمها نظام متقن تسير على وفقه، وذلك النظام هو النظام الإلهي الرباني الذي يحافظ على سيرها العام دون أن يحصل فيها خلل أو فطور قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقاً مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُور * ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ} ٢ وقد تحدث العلامة ابن القيم في كتابه "مفتاح دار السعادة" عن آيات الله الدالة على وجوده وقدرته وحكمته في خلقه السموات وإبداع صنعها وما هي عليه من حيث السعة والعظم، وحسن خلقها وبنائها كما أوضح بأنها أشمل للعجائب التي دلت على وجود الخالق ـ سبحانه ـ وأن دلالتها على وجود الله ـ تعالى ـ أوضح من دلالة المخلوقات الأخرى، ثم قرر أنه لا نسبة لجميع ما في الأرض إلى عجائب السموات.

قال رحمه الله تعالى: "فالأرض والبحار والهواء وكل ما تحت السموات بالإضافة إلى السموات كقطرة في بحر ولهذا قل أن تجيء سورة في القرآن إلا وفيها ذكرها إما إخباراً عن عظمها وسعتها، وإما إقساماً بها، وإما دعاء إلى النظر فيها، وإما إرشاداً للعباد أن يستدلوا بها على عظمة بانيها ورافعها، وإما استدلالاً منه ـ سبحانه ـ بخلقها على ما أخبر به


١- جامع البيان ١٤/٧٨.
٢- سورة الملك آية: ٤.

<<  <   >  >>