للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الحمد لله العلي ذي المنن

الواهب الرزاق ديان الدين

هو الذي أنقذني من قبل أن

أكون في ظلمة قبر مرتهن

بأحمد المهدي النبي المؤتمن١

وهناك قصص أخرى كثيرة تدل على عدم إيمان بعض عباد الأوثان الإيمان الكامل بأوثانهم ويعلمون قطعاً أنها لا تنفع ولا تضر، ولذلك عندما نزل القرآن شنَّع عليهم عبادتهم لها وكان من أساليب القرآن معهم أنه كان يقررهم بما لا مجال لإنكاره لأن إلزام الخصم بما يسلِّم به من أبلغ الطرق الجدلية، لأنه إذا سلِّم بالمقدمة فقد ألزم بالنتيجة سواءاً التزم بذلك أو لم يلتزم، ولذلك كان القرآن يحتج عليهم بحجة لا بد للعقول من الإقرار بها، ولا يجوز للعقل السليم رفضها، قال تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} ٢. فالآية تقول لهم أنتم موجودون وهذه حقيقة لا تنكرونها وكذلك السموات والأرض موجودتان ولا شك، والذي تقرر عقلاً أن الموجود لا بد له من سبب لوجوده لأن العدم لا يوجد شيئاً هذا أمر مقرر في بدائة العقول، ولأن الشيء لا بوجد نفسه. فقوله تعالى: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} دليل قاطع يرغم العقلاء على التسليم بأن هناك خالقاً معبوداً، إلا أن الآية صاغته بأسلوب مؤثر فلا تكاد الآية تلمس السمع حتى تزلزل النفس وتهزها.

وقد روى البخاري في صحيحه من حديث محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم "يقرأ ـ في المغرب ـ بالطور، فلما بلغ هذه الآية {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ} كاد قلبي يطير" ٣ قال شيخ الإسلام تعقيباً على هذا الحديث: "وذلك أن هذا تقسيم حاصر ذكره الله بصيغة استفهام الإنكار ليبين أن هذه المقدمات معلومة بالضرورة لا يمكن جحدها يقول: {أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ؟!} أي من غير خالق خلقهم أم هم خلقوا أنفسهم؟! وهم يعلمون أن كلا النقيضين باطل. فتعين أن لهم خالقاً خلقهم ـ سبحانه وتعالى ـ٤.


١- سيرة ابن هشام ١/٤٥٢ ـ ٤٥٣، الإصابة ٢/٥٢٢ ـ ٥٢٣. والشطر الأخير في هذين المصدرين "بأحمد المهدي النبي المرتهن" ولعل ذلك تحريف.
٢- سورة الطور آية: ٣٥ ـ ٣٦.
٣- ٢/١٩٣.
٤- مجموع الفتاوى ٥/٣٥٩، وانظر شرح حديث النزول ص٢٨.

<<  <   >  >>