للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} ١.

هذه الآية وجهت سؤالاً مستمداً من واقع هذا الكون الذي من حول الناس والذي يشاهدونه، ويلمسونه، ويتمتعون بخيراته فإطلاق السمع، والبصر، والفؤاد في السموات التي ترى وفي الأرض التي يعيش عليها الإنسان، وما فيها من الحدائق الغنية بالأشجار، والأزهار والثمار والغرض منها بائن وواضح لأن هذا التناسق البديع لا يعقل أن يكون فلتة أو طرفة، أو صدفة، ولا يعقل أن يكون رمية بدون رام، وخاصة لم تدَّعِ الصدفة، ولا الأصنام، ولا أية جدلية أنها خلقته وأبدعته.

ومما قدمنا من الآيات وبعض الأحاديث وما ذكرنا أيضاً من بعض أقوال مشركي العرب يتبين أن الإقرار بالصانع أمر فطري مركوز في كل نفس ولهذا كانت دعوة الرسل إنما كانت إلى عبادة الله وحده لا شريك له وللتذكير بالربوبية لأن عامة الناس مقرون بالصانع، حتى الكفار يقرون بأن الله تعالى هو المالك الخالق الرازق، النافع الضار، المحيي المميت، ولكن هذا الإقرار لم يجدهم شيئاً، ولم ينقذهم من النار.

فهذا فرعون الذي بلغ الغاية في الكفر حيث ادعى أنه الرب الأعلى ومع ذلك يقر بربوبية الخالق ـ سبحانه ـ قال الله تعالى في حقه حاكياً عن موسى عليه السلام {لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلاءِ إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَا فِرْعَوْنُ مَثْبُوراً} ٢ وهذا إبليس اللعين والعدو المبين لبني آدم أجمعين يعترف بربوبية الباري ـ سبحانه ـ فيقول {رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} ٣ ويقول {رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ} ٤ ويقول {إِنِّي أَخَافُ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} ٥.

فالكفار والمشركون أقروا بأن الله خالقهم، وخالق السموات والأرض وربهن ورب ما فيهما ورازقهم لهذا احتج عليهم بقوله {أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ؟ أَفَلا تَذَكَّرُونَ} ٦.


١- سورة النمل آية: ٦٠.
٢- سورة الإسراء آية: ١٠٢.
٣- سورة الحجر آية: ٣٦.
٤- سورة الحجر آية: ٣٩.
٥- سورة الحشر آية: ١٦.
٦- سورة النحل آية: ١٧.

<<  <   >  >>