للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال ابن جرير الطبري: عند قوله ـ تعالى ـ {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ} الآية قال: كانوا قوماً صالحين من بني آدم لهم أتباع يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم، فصوروهم فلما ماتوا وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال: "إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر فعبدوهم"١ هذا من أعظم كيد إبليس وهو جعله الإنسان يشرك بالله غيره فإنه يأتي للإنسان بأخبث الحيل، وأعظم المكر فإنهم عن طريق العاطفة الدينية، وبما يؤملون من جلب النفع حتى جعلهم مشركين يعبدون غير الله ـ تعالى ـ ويطلبون المطالب التي لا يقدر عليها إلا الله ـ تعالى ـ ممن لا يملك ذلك من المخلوقين فتماثيل الصالحين من أكبر الطرق وأسرعها وقوعاً في قلوب الناس للوقوع في أصل الشرك ولذلك اعتبر الشرع أن من يفعل هذا العمل إنما هو شرار الخلق عند الله ـ تعالى ـ روى البخاري في صحيحه من حديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: "لما اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم ذكرت بعض نسائه كنيسة رأينها بأرض الحبشة يقال لها: مارية وكانت أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أتتا أرض الحبشة فذكرتا من حسنها وتصاوير فيها فرفع رأسه فقال: أولئك إذا مات منهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا فيه تلك الصورة أولئك شرار الخلق عند الله"٢.

وما أكثر شرار الخلق في زمننا هذا فإن الكثير من المسلمين تجاهلوا هذا التحذير البليغ والتهديد الشديد فبنوا المساجد والقباب على القبور وتجد الجهلة من المسمين يتحرون الصلاة فيها وعندها ويتوسلون بها ويدعونها من دون الله وينذرون لها ويذبحون لها ويوقدون الشموع والسرج عندها ويطلبون منها شفاء مرضاهم ورد غائبهم ويعكفون عندها ويطوفون حولها ويطلبون منها الغوث والمدد وتجد أحدهم يجري على لسانه ذكر صاحب القبر كلما قام أو قعد أو سقط وهذه الأمور هي بعينها التي كان يفعلها مشركو الجاهلية بل هؤلاء أشد منهم عبادة وتعظيماً وهذا أصل الشرك وعينه الذي حذر الله عنه عباده ونهاهم عن الوقوع فيه.

وحرم على من مات عليه الجنة.

قال صاحب تيسير العزيز الحميد: بعد أن ذكر قصة أصنام قوم نوح: فتبين أن مبدأ


١- جامع البيان ٢٩/٩٩.
٢- صحيح البخاري مع شرحه فتح الباري ٣/٢٠٨.

<<  <   >  >>