للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

طائفة: قبلت الحديث على اعتبار أن سنده ثابت إلى الحسن.

وطائفة ثانية: رفضت الحديث بالكلية على اعتبار أن الحديث منقطع وأن الحسن لم ير أبا هريرة فضلاً عن أن يسمع منه، واكتشفوا فيه علة أخرى وهو أن عبد الرزاق بن همام الصنعاني رواه عن معمر عن قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم فكان الحديث على هذا مرسلاً، والذين قبلوا الحديث اختلفوا في معناه على قولين:

قيل: إن المعنى يهبط على علم الله وقدرته وسلطانه إلى ما تحت التحت فلا يعزب عنه شيء وهذا القول حكاه الترمذي عن بعض أهل العلم١.

وقالت طائفة أخرى: بل هذا المعنى اسمه ـ تعالى ـ المحيط، واسمه الباطن فإنه ـ سبحانه ـ محيط بالعالم كله، وأن العالم العلوي والسفلي في قبضته كما قال تعالى: {وَاللهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ} ٢، وإحاطته ـ تعالى ـ تقتضي علوه وفوقيته على جميع خلقه بالذات فلو دلي بحبل لسقط في قبضته وهو فوق عرشه والحديث لم ينص على أنه يهبط على جميع ذاته فهذا لم يقله أحد البتة.

والتأويل الأول: الذي ذكره الترمذي بيّن ابن القيم أنه من تصرفات الجهمية.

قال ـ رحمه الله ـ: قال شيخنا٣: "هو ظاهر الفساد من جنس تأويلات الجهمية، بل بتقدير ثبوته، فإنما يدل على الإحاطة، والإحاطة ثابتة عقلاً ونقلاً وفطرة"٤.

فالجهمية لا دليل لهم على دعواهم التي مضمونها التنقيص لله ـ جل وعلا ـ لا من الكتاب ولا من السنة.

وإن استدلوا بآيات من القرآن فإنهم يفسرونها بغير المراد منها، وإن أتوا بأحاديث تكون غير صحيحة، وأحياناً تكون لا وجود لها في كتب الحديث المعتمدة بالكلية، وحاصل ما تقدم أن علو الله ـ تعالى ـ على خلقه ثابت بنص الكتاب العزيز والسنة المطهرة، بل نطقت بذلك جميع الكتب السماوية المنزلة على رسله، وجميع أهل


١- المصدر السابق.
٢- سورة البروج، آية: ٢٠.
٣- هو: شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
٤- مختصر الصواعق المرسلة ٢/٢٧٢ ـ ٢٧٥. وانظر: "مجموعة الرسائل والمسائل" ٤/١٤٢.

<<  <   >  >>