عدل كله وأهل العدل هم أولياؤه وأحباؤه وهم المجاورون له عن يمينه على منابر من نور، وأمره بالعدل يتناول الأمر الشرعي الديني، والأمر القدري الكوني، وكلاهما عدل لا جور فيه بوجه ما"١ ومن كانت هذه صفاته هو الجدير بأن يعبد وحده لا شريك له، ويخلص له الدين كله ـ ومما تقدم يتبين لنا من المثل الذي ضربه الله في السورة وغيرها من الآيات التي ذكرناها في معناها قبح الشرك سمعاً وعقلاً وفطرة كما يتبين لنا الآتي:
١ ـ إن الموحد لا يكون عنده ضيق نظر بخلاف المشرك الذي يعبد آلهة شتى أو يجحدها بالكلية.
٢ ـ إن الموحد تنشأ في نفسه العزة والقوة التي لا يقف أمامها شيء لأنه أيقن في نفسه بأنه لا نافع ولا ضار إلا الله وأنه سبحانه ـ المحي المميت، وأنه صاحب القهر والحكم والسلطان في هذا الكون وهنا ينزع من قلبه كل خوف من غير الله ـ تعالى ـ فتجده لا يطأطئ رأسه لأحد من الخلق، ولا يتضرع إليه ولا يسأله ولا يخاف من كبريائه وعظمته لأنه استقر في نفسه عظمة القادر ـ سبحانه ـ وهذا بخلاف المشرك، والكافر ومن تربى على الإلحاد.
٣ ـ أن الموحد لربه ـ جل وعلا ـ يتولد في نفسه مع العزة والقوة: تواضع دون ذل وترفع من غير كبر حتى أن الشيطان لا يلقى إليه سبيلاً لأن يلقي في نفسه الأخلاق الذميمة إذ أنه يعلم بيقين أن الله ـ تعالى ـ هو الذي وهبه كل ما عنده من النعم وهو القادر على سلبه إياها في أي لحظة شاء، أما المشرك فإنه يوجد لديه من الأخلاق الذميمة التي هي كفيلة بإهلاكه مثل الكبر وبطر الحق بمجرد حصوله على نعمة سريعة الزوال بين حين وآخر.
٤ ـ إن الموحد موقن تمام اليقين بأنه لا سبيل إلى النجاة والفلاح إلا بتطهير نفسه من كل معصية لله ـ عز وجل ـ بالعمل الصالح أما المشرك والكافر فإنه يمضي حياته كلها في الأماني الكاذبة كما يزعم النصارى بأن المسيح عليه الصلاة والسلام أصبح كفارة لذنوبهم وكما يزعم اليهود أنهم أبناء الله وأحباؤه فلا يعذبهم بذنوبهم وكما يعتقد بعض جهلة المسلمين أن الكبراء والأتقياء من أهل الصلاح سيشفعون لهم عند الله ـ تعالى ـ فيقدمون