للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الكافر عناداً وغيره، ولا بين من خالف ملة الإسلام وبين من انتسب إليها ثم حكم بكفره يجحده وغير ذلك، وأما دخول من مات غير مشرك الجنة فهو مقطوع له به، لكن إن لم يكن صاحب كبيرة مات مصراً عليها دخل الجنة أولاً، وإن كان صاحب كبيرة مات مصراً عليها فهو تحت المشيئة، فإن عفا عنه دخل الجنة أولاً وإلا عذب في النار ثم أخرج فيدخل الجنة" اهـ١.

ومن هذا يتبين لنا أن الشرك أشد الأعمال جرماً وأقبحها ظلماً كما قال تعالى حكاية عن لقمان وهو يوصي ابنه {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} ٢.

وقد بين تعالى في موضع آخر بأنه لا أمن ولا اهتداء إلا لمن لم يخلطوا عبادتهم بمعصية الشرك.

قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} ٣.

وقد روى الشيخان في صحيحيهما من حديث ابن مسعود قال: لما نزلت هذه الآية شق ذلك على المسلمين فقالوا يا رسول الله وأينا ذلك؟ قال: "إنما هو الشرك ألم تسمعوا ما قال لقمان لابنه إن الشرك لظلم عظيم"٤ قال النووي عند شرحه لهذا الحديث: لما شق عليهم أنزل الله ـ تعالى ـ {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} .

وأعلم النبي صلى الله عليه وسلم أن الظلم المطلق هناك هو المراد به هذا المقيد وهو الشرك كما قال لقمان لابنه فالصحابة رضي الله عنهم حملوا الظلام على عمومه والمتبادر إلى الأفهام منه وهو وضع الشيء في غير موضعه وهو مخالفة الشرع فشق عليهم إلى أن أعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم بالمراد بهذا الظلم اهـ٥.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله موضحاً لذلك "والذي شق عليهم أنهم ظنوا أن الظلم المشروط عدمه وهو ظلم العبد نفسه وأنه لا أمن ولا اهتداء إلا لمن لم يظلم نفسه،


١- شرح النووي على مسلم ٢/٩٧.
٢- سورة لقمان آية: ١٣.
٣- سورة الأنعام آية: ٨٢.
٤- صحيح البخاري ٣/١٧٣ صحيح مسلم ١/١١٤ ـ ١١٥.
٥- شرح النووي على مسلم ٣/١٤٣.

<<  <   >  >>