للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تدل على أنه لا يحدث شيء في هذا الكون إلا بإرادته تعالى ومشيئته.

قال الطحاوي: "وكل شيء يجري بتقديره ومشيئته، ومشيئته تنفذ لا مشيئة العباد، إلا ما شاء الله فما شاء لهم كان وما لم يشأ لم يكن لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، ولا غالب لأمره" اهـ١. ومما تقدم يفهم معنى الإيمان بالقدر. فالإيمان بالقدر هو أن يصدق الإنسان تصديقاً جازماً بأن كل خير وشر فهو بقضاء الله وقدره وأنه ـ سبحانه ـ الفعّال لما يريد لا يكون الشيء إلا بإذنه وإرادته، ولا يخرج شيء عن مشيئته وليس في الوجود شيء خارج عن تقديره ولا محيد لأحد عما قدره الله، ولا يتجاوز ما خط في اللوح المحفوظ وأنه ـ تعالى ـ هو الخالق لأفعال عباده كلها من طاعات ومعاصي ومع ذلك فقد أمرهم ـ سبحانه ـ ونهاهم وجعلهم مختارين لجميع أفعالهم وليسوا مجبورين عليها بل تحصل منهم بقدرتهم وإرادتهم يهدي من يشاء برحمته، ويضل من يشاء بحكمته لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

الإيمان بالقدر على درجتين كل درجة تتضمن شيئين:

فالدرجة الأولى:

الإيمان بأن الله تعالى علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلاً وأبداً وعلم جميع أحوالهم من الطاعات والمعاصي والأرزاق والآجال ثم كتب الله في اللوح المحفوظ مقادير الخلق فأول ما خلق الله القلم قال له اكتب قال ما أكتب؟ قال اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة فما أصاب الإنسان لم يكن ليخطئه، وما أخطئه لم يكن ليصيبه جفت الأقلام وطويت الصحف كما قال تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} ٢. وقال: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ} ٣.

وهذا التقدير التابع لعلمه ـ سبحانه ـ يكون في مواضع جملة وتفصيلاً فقد كتب في


١- شرح الطحاوية ص١٥٣.
٢- سورة الحج آية: ٧٠.
٣- سورة الحديد آية: ٢٢.

<<  <   >  >>