للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سمعت ولا خطر على قلب بشر، فكل ما تعلقت به مشيئتهم، وإرادتهم من أنواع اللذات والمشتهيات فإن ذلك حاصل ومهيئ ومعد لهم عند الله ـ تعالى ـ في الجنات.

{ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} وهم الذين يعبدون ربهم كأنهم يرونه فإن لم يكونوا يروه فإنه يراهم، وإضافة إلى ذلك أنهم يحسنون إلى عباد الله.

ومن إكرام الله لهؤلاء المتقين المحسنين أنه ـ تعالى ـ يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا ويثيبهم بأحسن الذي كانوا يعملون {لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} .

ومن هذه الآية أيضاً: يتبين أن عمل الإنسان له حالات ثلاث:

الحالة الأولى: إما أن يكون عملاً أسوأ.

الحالة الثانية: أن يكون عملاً أحسن.

الحالة الثالثة: أن يكون عملاً لا أسوأ ولا أحسن وهذه الحالة الأخيرة هي العمل المباح الذي لا يتعلق به ثواب ولا عقاب وهذه الحالة الأخيرة لم تذكر في الآية كالحالتين قبلها.

والعمل الأسوأ هي المعاصي كلها، والعمل الأحسن هي الطاعات كلها، وبمعرفة هذه الحالات الثلاث يتضح معنى الآية {لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا} فيكون المراد بها صغائر الذنوب بسبب إحسانهم وتقواهم.

{وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} أي: بحسناتهم كلها {إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} ١.

قال مقاتل: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ * لِيُكَفِّرَ اللهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ} .

قال: "يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ولا يجزيهم بالمساوئ"٢.

وقال العلامة ابن جرير: وقوله: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ}


١- سورة النساء آية: ٤٠.
٢- تفسير البغوي المسمى "معالم التنزيل على حاشية تفسير الخازن ٦/٦٤".

<<  <   >  >>