للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقلت له ارفعها إليك وأحيها ... بروحك واقتته لها قيتة قدراً١

يعني بقوله: "أحيها بروحك" أي أحيها بنفخك.

وقيل معناها: "الرحمة" فيكون قوله: {رُوحٌ مِنْهُ} أي رحمة منه كما قال تعالى: {وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ} ٢ فجعل الله عيسى عليه السلام رحمة منه على من آمن به وصدقه واتبعه من بني إسرائيل لأنه هداهم إلى سبيل الرشاد كما ذكره ابن جرير الطبري، وقد أورد أقوالاً أخرى ثم قال تعقيباً عليها: "ولكل هذه الأقوال وجه ومذهب غير بعيد من الصواب"٣.

والأظهر في ذلك ما روي عن أبيّ بن كعب أنه قال: "عيسى روح من الأرواح التي خلقها الله ـ عز وجل ـ واستنطقها بقوله: {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} ٤ بعثه الله إلى مريم فدخل فيها"٥.

وقال أبوروق: {وَرُوحٌ مِنْهُ} أي: نفخة منه إذ هي من جبريل بأمره، وسمي روحاً لأنه حدث من نفخة جبريل عليه السلام٦.

قال ابن كثير: "وكلمته ألقاها إلى مريم" أي: خلقه بالكلمة التي أرسل بها جبريل ـ عليه السلام ـ إلى مريم فنفخ فيها من روحه بإذن ربه ـ عز وجل ـ فكان عيسى بإذنه ـ عز وجل ـ وكانت تلك النفخة التي نفخها في جيب درعها، فنزلت حتى ولجت فرجها بمنزلة لقاح الأب والأم والجميع مخلوق لله ـ عز وجل ـ ولهذا قيل لعيسى إنه كلمة الله وروح منه، لأنه لم يكن له أب تولد منه، وإنما هو ناشئ عن الكلمة التي قال له بها كن فكان، والروح التي أرسل بها جبريل ... : "وروح منه" كقوله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ} ٧. أي: من خلقه ومن عنده وليست "من" للتبعيض كما تقوله النصارى ـ عليهم لعائن الله المتتابعة ـ بل هي لابتداء الغاية كما في الآية الأخرى، وقد قال مجاهد


١- ديوان ذي الرُّمة ص٢٤ ط: كيمبردج سنة ١٩١٩م.
٢- جزء من الآية: ٢٢ من سورة المجادلة.
٣- جامع البيان ٦/٣٦.
٤- سورة الأعراف، آية: ١٧٢.
٥- جامع البيان ٦/٣٦ وانظر تيسير العزيز الحميد ص٦٣.
٦- تيسير العزيز الحميد ص ٦٣.
٧- سورة الجاثية، آية: ١٣.

<<  <   >  >>