للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فالنفخ يحصل من الملك بعد أمر الله ـ تعالى ـ له.

ولقد نزه نفسه ـ سبحانه ـ من المقالة السيئة التي نسبها إليه اليهود والنصارى ومشركو العرب وغيرهم فقال تعالى: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} ١.

قال الحافظ ـ رحمه الله تعالى ـ: "واتفقوا على أن الآية نزلت فيمن زعم أن لله ولداً من يهود خيبر، ونصارى نجران، ومن قال من مشركي العرب الملائكة بنات الله فرد الله تعالى عليهم"٢ وجاء في الحديث القدسي الصحيح الذي رواه البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني، ولم يكن له ذلك فأما تكذيبه إياي فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله لي ولد ـ فسبحاني ـ أن أتخذ صاحبة أو ولداً".

قال الحافظ عقب هذا الحديث: "إنما سماه شتماً لما فيه من التنقيص لأن الولد إنما يكون عن والدة تحمله، ثم تضعه، ويستلزم ذلك سبق النكاح، والناكح يستدعي باعثاً له على ذلك والله ـ سبحانه ـ منزه عن جميع ذلك" أ. هـ٣ ومما تقدم نعلم أن الله ـ تعالى ـ أبطل مزاعم اليهود والنصارى ومشركي العرب في نسبتهم الولد إلى الله ـ تعالى ـ فقد نفى عن نفسه الولادة ونفى اتخاذ الولد جميعا قال تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} ٤.

وقال تعالى: {الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} ٥ ومما ينبغي أن يعلم أن كل النحل التي نسبت الولد إلى الله تعالى لم يرد العقلاء منهم أنها ولادة حسية من جنس ولادة الحيوان بانفصال جزء من ذكره في أنثاه يكون منه الولد وإنما يريد من الولادة العقلية الروحانية مثل قول النصارى إن الجوهر الذي هو الله من وجه، وهو الكلمة من وجه تدرعت بإنسان مخلوق من مريم فيقولون تدرع


١- سورة البقرة، آية: ١١٦.
٢- الفتح: ٨/١٦٨.
٣- المصدر السابق. بنفس الصفحة.
٤- سورة الإسراء، آية: ١١١.
٥- سورة الفرقان، آية: ٢.

<<  <   >  >>