والحديثان إذا تعارضا فإن أمكن الجمع كان الأولى من حذفهما أو حذف أحدهما. كما قال الشافعي رحمه الله: ولزم أهل العلم أن يمضوا الخبرين على وجوههما ما وجدوا لإمضائهما وجها, ولا يعدونهما مختلفين وهما يحتملان أن يمضيا, وذلك إذا أمكن فيهما أن يمضيا معا, أو وجد السبيل إلى إمضائهما, ولم يكن منهما واحد بأوجب من الآخر, ولا ينسب الحديثان إلى الاختلاف, ما كان لهما وجها يمضيان معا, إنما المختلف ما لم يمض إلا بسقوط غيره, مثل أن يكون الحديثان في الشيء الواحد هذا يحله وهذا يحرمه. الرسالة (٣٤١-٣٤٢) وانظر قريبا منه معالم السنن للخطابي (٣: ٨٠) . وعلى هذا فيمكن الجمع بين الحديثين, بأحد وجوه. أولا أن يحمل حديث أبي إسحاق: بأنه يتوضأ وضوءه للصلاة ولم يمس ماء للغسل. وهذا موافق لرواية أحمد من طريق عبد الرحمن بن الأسود - كما ذكرتها قبل. أو يحمل على بيان الجواز وأن الأفضل الوضوء. وهذا ما جمع به ابن قتيبة، وابن التركماني. فقال ابن قتيبة: بعد أن ذكر روايات حديث عائشة: كان إذا أراد أن ينام وهو جنب توضأ وضوءه للصلاة, وكان إذا أراد أن يأكل أو ينام توضأ - تعني وهو جنب-, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام وهو جنب من غير أن يمس ماء: ونحن نقول: إن هذا كله جائز, فمن شاء أن يتوضأ وضوءه للصلاة بعد الجماع ثم ينام. ومن شاء غسل يده وذكره ونام. ومن شاء نام من غير أن يمسك ماء, غير أن الوضوء أفضل. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل هذا مرة, ليدل على الفضيلة, وهذا مرة ليدل على الرخصة, ويستعمل الناس ذلك. فمن أحب أن يأخذ بالأفضل, أخذ, ومن أحب أن يأخذ بالرخصة أخذ. تأويل مختلف الحديث (٢٤٠-٢٤١) . وقال ابن التركماني في الجوهر النقي (١: ٢٠١-٢٠٢) أن يحمل الأمر بالوضوء على الاستحباب, وفعله عليه السلام على الجواز, فلا تعارض ويؤيد ذلك ما ورد في صحيح ابن حبان عن ابن عمر: أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أينام أحدنا وهو جنب؟ فقال: نعم ويتوضأ إن شاء. وانظر صحيح ابن خزيمة (١: ١٠٦) وقد عنون له: استحباب وضوء الجنب إذا أراد النوم، وصحيح ابن حبان (٢: ٣٧٥) . والله أعلم.