وقوف والدة الملك العزيز على مقدم السلطان لتملّك ديار الشام
حين بلغت رايات السلطنة «آبلستان»، أفشى الجواسيس الذين كانوا بالمعسكر ما جرى من أحوال للملكة وجمال الدين لولو- الحاكم ونائب الملكة- فذهلوا بما سمعوا، وبعثوا الرسل بالهدايا الوفيرة إلى الملك الأشرف أخي الملكة، وبيّنوا أن سلطان الرّوم بادر بالهجوم بجيش في عدد النّجوم على تخوم بلادنا، وإنه لو حدث وبسط سيطرته على هذه البلاد فلن تأمن منه على حياتك. ولئن كان قد علق بالخاطر الأشرف غبار من جانب الملك الظّاهر قبل هذا فالواجب إزالته بماء الرّحمة والشّفقة عملا بقول القائل «عند الشّدائد تذهب الأحقاد».
فلما بلغت القضيّة الملك الأشرف صادفت هذه الكلمات المعقولة قبولا عنده، فجمع جيشا كبيرا ولحق بحلب، فلما رأى شقيقته قال: ما للملوك من مال ينبغي أن يوجّه لمثل هذا اليوم، ولئن كان يصرف القليل مما ادّخر على مدى مائة سنة في سبيل الدّفاع، فليبذل ذلك كله رخيصا وبسخاء. فأخرجت الملكة ما كان قد ادّخر لأعوام سابقة دون أن تبقي على شيء أو تذر، وجهّزت جيشا. وفي أثناء ذلك فكّرت في حيلة من شأنها أن تجعل ثقة السلطان تنعدم تماما في جنده، ونفّذت تلك الحيلة.
فقد وقعت على رجل من سكّان بلاد الروم كان يعرف أسماء أمراء الدولة جميعا وما يحملون من ألقاب/ وكانت له صلة بمعظمهم، وبذلت له مالا وفيرا، وحلفت له الأيمان بأن هذا الأمر لو تحقّق ورجع جيش الروم لسلّمته