للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

- ويذكُرُ نَفْسَهُ بصيغةِ الجمعِ، مُظهَرًا أو مُضمَرًا؛ للدَّلَالةِ على عظمتِهِ؛ لكثرةِ أسمائِهِ وصفاتِهِ، وكثرةِ عبيدِهِ وجنودِهِ، وشواهدُ هذا في القرآن كثيرةٌ؛ كما في هذه الآية: ﴿إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُون (١٥)[الشعراء]، وكقولِه تعالى: ﴿وَإِنَّا لَمُوسِعُون (٤٧)[الذاريات]، وقولِه: ﴿فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (٤٨)[الذاريات]، وقولِه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُون (٩)[الحجر]، وقولِه تبارَكَ اسمُه: ﴿إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١)[الفتح]، وقولِه: ﴿مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا﴾ [يس: ٧١].

وقد يراد بهذه الصيغةِ الملائكةُ؛ كقولِه تعالى: ﴿فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَه (١٨)[القيامة]، فالمرادُ: قراءةُ جبريلَ، وقولِه سبحانه: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد (١٦)[ق]، والمرادُ: قربُ الملائكةِ الحافِظِينَ الكاتِبِينَ لعمَلِ العبدِ.

وقد تدُلُّ هذه الصيغةُ على الأمرَيْنِ معًا: على التعظيمِ، وعلى إرادةِ الملائكة، ومِن ذلك هذه الآيةُ: ﴿إِنَّا مَعَكُمْ مُّسْتَمِعُون (١٥)[الشعراء]؛ فاللهُ يَستمِعُ، والملائكةُ يَستمِعُونَ؛ كما قال: ﴿إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى (٤٦)[طه]، وقال سبحانه: ﴿أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لَا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُم بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُون (٨٠)[الزخرف].

وقولُ المؤلِّفِ: (إنَّ اللهَ لا يُوصَفُ بالاستماعِ، وإنَّما يُوصَفُ بالسمعِ):

هذا غَلَطٌ منه ؛ منشؤُهُ نفيُ الأفعالِ الاختياريَّةِ عن الله (١)، وهي التي تكونُ بمشيئتِهِ تعالى، وهو المعروفُ مِنْ مذهبِ الأشاعرة؛ كيف وقد أخبَرَ تعالى عن نفسِهِ في هذه الآيةِ بصيغةِ الجمعِ بأنه مُستمِعٌ؟!


(١) ينظر: هامش التعليق رقم (١١).

<<  <   >  >>