للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

وأهلُ السُّنَّةِ يقولونَ بما دلَّت عليه السُّنَّةُ؛ بأنَّ طُولَ العمرِ قد يكون بسببٍ مِنْ قِبَلِ العبدِ؛ كالبِرِّ والصلةِ؛ فمَن عُمِّرَ بهذا السببِ، فالسبَبُ والمسبَّبُ قد سبَقَ بهما علمُ اللهِ وكتابُهُ؛ بمعنى: أنَّ اللهَ قد عَلِمَ وكتَبَ أنَّ هذا يطولُ عمرُهُ بذلك السبب، ويَعلَمُ سبحانه أنه لو لم يكنْ منه ذلك السببُ، لكان عمرُهُ دون ذلك؛ فهما - عند أهل السُّنَّةِ - أجَلَانِ:

أجَلٌ معلومٌ مكتوبٌ هو وسبَبُهُ؛ فلا يقَعُ سواهُ.

وأجَلٌ معلومٌ أنه لا يقَعُ لعدَمِ وقوعِ سببِه؛ فهو غيرُ مكتوب.

فعِلْمُ اللهِ شاملٌ لما كان وما يكونُ، وما لا يكونُ، لوكان كيف يكون.

وبذلك يُعلَمُ: أنه لا تغيُّرَ في علمِ اللهِ، ولا في كتابِهِ، ويمتنِعُ أن يحدُثَ ما يُوجِبُ ذلك؛ أي: التغييرَ في علمِ اللهِ وكتابِه.

وأمَّا المعتزِلةُ: فقولُهم بالأجَلَيْنِ، معناه - على ما ذكَرَهُ عنهم أبو منصورٍ الماتُرِيدِيُّ في «تفسيره» (١) - أنَّ اللهَ تعالى يَجعَلُ لكلِّ أحدٍ أجلَيْنِ، فإذا وصَلَ رَحِمَهُ، أماتَهُ في أبعَدَ الأجلَيْنِ، وإذا لم يصلْ، جعَلَ أجلَهُ الأوَّلَ.

قال أبو منصورٍ متعقِّبًا: «فهذا أمرُ مَنْ يَجهَلُ العواقبَ، فأمَّا مَنْ كان عالمًا بالعواقبِ، فلا؛ لأنَّه بُدُوٌّ ورجوعٌ عمَّا تقدَّم مِنْ الأمر». اه-.

ومِن فروعِ قولِ المعتزِلة: أنَّ أفعالَ العبادِ غيرُ مخلوقةٍ لهم ولا مقدَّرةٍ (٢)، ومِن فروعِ ذلك: أنَّ المقتولَ مقطوعٌ عليه أجَلُهُ (٣).

وأهلُ السُّنَّةِ يقولون: إنَّ المقتولَ ميِّتٌ بأجَلِهِ (٤).


(١) تفسير الماتريدي، المسمى ب «تأويلات أهل السُّنة» (١/ ٤٩١).
(٢) ينظر: «مقالات الإسلاميين» (١/ ١٨١)، و «مجموع الفتاوى» (٨/ ١١).
(٣) ينظر: «مقالات الإسلاميين» (١/ ٢٠٤).
(٤) ينظر: «مجموع الفتاوى» (٨/ ٥١٦).

<<  <   >  >>