الْفَائِدَةُ الأُولَى: أنَّ من كان على هذا الوَصْفِ فإنَّه لا يكون أحدٌ أظْلَمَ منه؛ لقوله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ}.
وها هنا مسألةٌ، وهي أن مِثْل هذه العبارة جاءت في غَيْرِ هؤلاءِ، فقال تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ}، وقال تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا}، وفي السُّنَّة:"وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذَهَبَ يَخْلُقُ كَخَلْقِي"(١) فكيف نَجْمَعُ بين هذه النُّصوصِ؟
الجوابُ: ذكرنا فيما سبق أنَّ الجمْعَ بأحَدِ وَجْهَيْنِ:
الوجه الأول: أن نقولَ: إن قوله تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ} لا يفيدُ أنَّ الظالمَ لا يُوجَدُ مُشارِكٌ أو مساوٍ له في هذا الظُّلْمِ، وإمَّا نقول:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ} اشتركا في الأَظْلَمِيَّة، وأنَّ هذا أعلى ما يكون في الظُّلْمِ.
والوجه الثاني: أن نقول: إنَّ الأَظْلَمَ بالنِّسْبَةِ لما تحته مِن نَوْعِهِ، وهنا:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} يعني هذا أظْلَمُ ما يكون مِنَ المذكورينَ، بخلاف مَن ذُكِّرَ ثم أَعْرَض عن البَعْضِ، أو ما أشبه ذلك، فيصير هذا الأَظْلَمَ بالنِّسْبة لما تحته من نَوْعِه؛ كقوله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ} يعني لا أَحَدَ أظلَمُ في مَنْعِ شيء من الأشياء مِمَّن منع مساجِدَ الله، وعلى هذا فَقِسْ، فصار الجوابُ بأحَدِ وجهين.
(١) أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، رقم (٧٥٥٩)، ومسلم: كتاب اللباس، باب تحريم تصوير صورة الحيوان، رقم (٢١١١)، من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.