للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال بَعْضُهم: إنَّهم لا يدخلون الجَنَّة؛ لأنَّ الذين: {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قَالُوا يَاقَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف: ٢٩ - ٣١] ولم يقولوا: (يُدْخِلْكم الجَنَّة)، فهذا دليل على أنَّ المؤْمِنَ منهم يُجارُ من العذابِ الأليم فقط!

فيقال: إنَّ هذا استدلالٌ بنصٍّ وتَرْكُ نُصوصٍ، وما هكذا حالُ الإنسانِ الذي يُوَفِّقُ بين الأدلَّة، ثم إنَّ مقامَ هؤلاء القَوْمِ مقامُ إنذارٍ وتَخْويفٍ: {وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ} دون مُبَشِّرينَ، فهو مقامُ إنذارٍ وتخويفٍ، وهم إذا استقاموا وخافوا فإنَّه لا شَكَّ أنَّهُم يدخلونَ الجَنَّة؛ لأنَّ من أُجيرَ من العذابِ الأَليمِ من المُكَلَّفينَ فلا بدَّ أن يدخلَ الجَنَّة؛ إذ إنَّ مآل الوَرَى إلى الجنَّة أو النَّار.

وهذا القول هو الحَقُّ: أنَّ مُؤْمِنَهم يدخُلُ الجَنَّة وكافِرَهُم يدخُلُ النَّار؛ والثاني: أن كافِرَهُم يدخل النَّارَ بالإجماعِ، وليس فيه خلافٌ؛ لأنه نَصٌّ بالقُرآنِ.

من فوائد الآية الكريمة:

الْفَائِدَةُ الأُولَى: إثباتُ مشيئةِ الله؛ لقوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا}.

الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: تمامُ سلطانِهِ؛ لقوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا}.

الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: إثباتُ حِكْمَته؛ حيث لم يُؤتِ كُلَّ نَفْسٍ هداها؛ وقد سبق لنا شيءٌ من الحِكَمِ في اختلافِ النَّاسِ إلى مُؤْمِنٍ وكافِرٍ.

الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: الرَّدُّ على القَدَرِيَّة، والقَدَرِّيةُ هم الذين يقولون: إنَّ الإنسانَ مُسْتَقِلٌّ بعَمَلِه، ليس لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فيه تقديرٌ ولا خَلْقٌ، يشاء لِنَفْسِه ويَفْعَلُ بنفسه،

<<  <   >  >>