الدور، وسُدّت على أهلها أبوابها بما فيها، وأهلها موتى فيها، ثم صار المارّ في الطريق لا يلقى إلا الواحد بعد الواحد.
وأكل الناس الجيف والنّتَن من قِلّة الطعام، وَوُجِدَ مع امرأة فَخِذ كلب قد اخضَرّ، وشوى رجلٌ صَبِيَّة في الأتون وأكلها!، وسقط طائر ميت من حائط فاحتوشته خمسة أنفس فاقتسموه وأكلوه!.
وورد كتابٌ من بخارى أنه مات في يوم واحد منها ومن معاملاتها ثمانية عشر ألف إنسان، وأُحصي من مات في هذا الوباء من تلك البلاد إلى يوم كُتِبَ فيه الكتاب بألفِ ألفٍ وخمسمائة ألف وخمسين ألف إنسان، والناس يمرّون في هذه البلاد فلا يرون إلا أسواقاً فارغة وطُرقات خالية وأبواباً مغلقة ووحشة وعدم أنيس، وحكاه ابن الجوزي .. قال: وجاء الخبر من أذربيجان وتلك البلاد بالوباء العظيم، وأنه لا يسلم من تلك البلاد إلا العدد اليسير جداً!.
ووقع وباء بالأهواز وبواط وأعمالها وغيرها حتى طَبَّق البلاد، وكان أكثر سبب ذلك الجوع، كان الفقراء يشوون الكلاب، وينبشون القبور، ويشوون الموتى ويأكلونهم، وليس للناس شُغل في الليل والنهار إلا غسل الأموات وتجهيزهم ودفنهم، فكان يُحفر الحفير فيدفن فيه العشرون والثلاثون!.