للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المستعصم بالله أمير المؤمنين، وقُتل معه ولده الأكبر أحمد، ثم قُتل ولده الأوسط عبد الرحمن، وأُسِرَ ولده الأصغر مبارك، وأسرت بناته الثلاث فاطمة وخديجة ومريم، وأُسر من دار الخلافة من الأبكار ما يقارب ألف بِكْر فيما قيل، والله أعلم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ولما انقضى الأمر المقدّر، وانقضت الأربعون يوماً بقيت بغداد خاوية على عروشها ليس بها أحد إلا الشاذ من الناس، والقتلى في الطرقات كأنها التلول، وقد سقط عليهم المطر فتغيرت صُورهم، وأنتنتْ من جِيَفهم البلد، وتغيّر الهواء فحصل بسببه الوباء الشديد حتى تعدّى وسرى في الهواء إلى بلاد الشام، فمات خلق كثير من تغيّر الجو وفساد الريح فاجتمع على الناس الغلاء، والوباء، والفناء، والطعن والطاعون؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون.

ولَمَّا نودي ببغداد بالأمان خرج من تحت الأرض من كان بالمطامير والقِني والمقابر كأنهم الموتى إذا نُبشوا من قبورهم وقد أنكر بعضهم بعضاً، فلا يعرف الوالد ولده، ولا الأخ أخاه، وأخذهم الوباء الشديد فتفانوْا وتلاحقوا بمن سبقهم من القتلى، واجتمعوا تحت الثرى، بأمر الذي يعلم السّر وأخفى {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} (١) انتهى (٢).


(١) سورة طه، آية: ٨.
(٢) البداية والنهاية، ١٣/ ٢٠٠ - ٢٠٣.

<<  <   >  >>