قوله في الدعاء:(اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك) قرن بين صفة العلم وصفة القدرة:
المناسبة ظاهرة بين العلم والقدرة؛ وبين طلب الاستخارة، فإن المستخير لا يعلم الخير أين يكون؟ وكذلك لا يقدر عليه لو علمه، فأتى بصفتين مناسبتين لمسألته، هما العلم والقدرة.
وهذا من فقه الدعاء؛ أن يأتي الإنسان في دعائه بما يناسب مراده من الأسماء الحسنى والصفات العلى، ولذلك أيضًا فائدة أخرى؛ وهي أن الإنسان يكون باختياره هذا الاسم وهذه الصفة دون غيرها مراعيًا حالته التي هو عليها؛ فيعود ذلك عليه بالإخبات والخضوع، والافتقار إلى الله، فمن سأل الله الرزق، واختار اسم الغني؛ واستشعر ما هو عليه من فقر؛ وقلة ذات يد كان ذلك أنفع لقلبه وأجدر بالإجابة.
[الفائدة التاسعة والثلاثون]
قَدّم في هذا الدعاء صفة العلم على صفة القدرة في قوله" اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك" ومن الأسرار في هذا التقديم:
أن المستخير يسأل ربه أولًا بعلمه الخير، فإنه لا يعلم الخير على وجه التفصيل إلا الله سبحانه وتعالى.
ثم تأتي بعد ذلك قدرة الله على تيسير الخير للعبد، فرتبهما في الدعاء حسب ترتيبهما في الوجود المراد تحققه.
ولعل هذا أيضًا من فقه الدعاء؛ أن يرتب الإنسان ألفاظ دعائه؛ مراعيًا حاجته ومراده، وهذا لا يكون إلا مع فقه معاني الأسماء الحسنى.