أن يُرضِي الله عبدَه بالخير الذي قدره له، فإن العبد من جهله -أحيانًا- أنه إذا لم يرض بما قدّره الله له؛ فإن نفسه تبقى متعلقة بمرادها الأول الذي صرفها الله عنه، فلا تزال متعلقة به، فتفسد عليها حياتها لفقدانها الرضا بالخير الجديد الذي كُتب لها، ولهذا قال العبد:(ثم رضني به).
ومن تحقق له الرضا بما كتبه الله اطمأنت نفسه، وهدأ باله، وسلم له همه أن يتفرق، وجمع الله تفكيره، وهنأ له عيشه، فأصبح سعيدًا مرتين: حينما صرف الله الشر، وحينما كتب الله له الخير مكانه.
ولكي يتحقق لك اليقين بأهمية هذه اللفظة في الحديث (ثم رضني به) انظر إلى أولئك الذين رزقهم الله خيرًا، فلم يطمئنوا به، وما زالت أنفسهم متعلقة بما فاتهم أكثر من تعلقها بما أبدلهم الله من خير، فلم يهنأ لهم عيشهم الحاضر، ولم يستطيعوا إرجاع ما فات.
[الفائدة الخامسة والستون]
في هذا الحديث جمع الله لعبده المؤمن التوفيق من ثلاث جهات:
الجهة الأولى: أن يقدر له الخير ويعينه وييسره له.
الجهة الثانية: أن يصرف عنه الشر، ويصرفه عنه.
الجهة الثالثة: أن يعوضه عن الشر خيرًا، ثم يرضيه به.
فالحمد لله على رحمته الواسعة، وفضله العظيم، ونسأله ألا يحرمنا ذلك بذنوبنا.
[الفائدة السادسة والستون]
يدل قوله:(واصرفه عني، واصرفني عنه) على أن العبد يسأل ربه تمام المباعدة بينه وبين الشر، ولا يكون هذا إلا بأن يصرف الله الشر عن العبد، ثم يصرف العبد عن الشر، فكلاهما مصروف عن الآخر، وبهذا تحصل تمام المباعدة.