ويدل كذلك حديث الاستخارة على أن الله يمحو ما يشاء ويثبت، بدليل قوله:(واصرفه عني واصرفني عنه) فإن الصرف لا يكون إلا بعد الكتابة القدرية.
وقد دل الكتاب على ذلك، فقال تعالى:{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ}[الرعد: ٣٩].
وهذا يعود أثره على سلوك المؤمن بطلب الازدياد من الطاعات، وطلب السعادة الدنيوية والأخروية، وعدم اليأس من رحمة الله؛ رغم الظروف التي تمر على الإنسان، ويفتح له باب الرجاء بالله.
[الفائدة الستون]
دعاء الاستخارة يدل على أن الله ربط الأسباب بمسبباتها؛ لأن دعاء الله سبحانه وتعالى من الأسباب، ولو لم تكن للدعاء فائدة؛ لكان قوله لغوًا لا فائدة فيه.
وهذا من وسطية أهل السنة والجماعة في باب التوكل؛ لأن (هذا موضع انقسم فيه الناس طرفين ووسطا:
فأحد الطرفين: عطَّل الأسباب محافظة على التوكل.
والثاني: عطَّل التوكل محافظة على السبب.
والوسط: علم أن حقيقة التوكل لا يتم إلا بالقيام بالسبب فتوكل على الله في نفس السبب، وأما من عطَّل السبب وزعم أنه متوكل فهو مغرور مخدوع؛ متمنٍ كمن عطَّل النكاح والتسري؛ وتوكل في حصول الولد، وعطل الحرث والبذر وتوكل في حصول الزرع، فالتوكل نظير الرجاء والعجز نظير التمني.