ولا شك أن هذا الاختلاف دليل جواز الكل، والكلام فيما هو أفضل ولا شك أن طول القراءة أفضل من قصرها، إذا كان منفردا أو إماما لقوم محصورين راضين بالتطويل، بشرط أن لا يضيع وقت الأفضلية للصلاة.
أما الذي يؤم قوما غير محصورين، أو يؤم من لا يرضى بالتطويل فواجبه التخفيف، بالقدر الذي لا يتألم منه المأموم، فإن الإسلام حريص على عدم التنفير من صلاة الجماعة، فهي مهما قلت القراءة فيها أفضل من صلاة الفرد مهما أطال في قراءته، بسبع وعشرين درجة.
ولا يظن الإمام الذي يتعب المأمومين بقراءته أنه بذلك يتقرب إلى الله، بل إنه خالف سنة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الذي كان يدخل الصلاة ينوي تطويلها بصحابته رجالا ونساء، فيسمع بكاء الطفل، فيخفف القراءة إشفاقا على أمه.
إن معاذ بن جبل كان يؤم قومه، فحرص على أن ينال من فضل القراءة فأطال، استفتح في صلاة العشاء بسورة البقرة، وخلفه المريض والمتعب من عمل النهار، وصبر المتعب قدر طاقته وهو يظن أن معاذا سيقف عند قريب فلم يقف، ويئس المتعب، فسلم، وصلى منفردا، وانصرف، وصار يتأخر عن الصلاة حتى ينتهي معاذ من صلاته فيصلي وحده، وعلم به معاذ فقال عنه: إنه منافق، وسأله أصحابه: أنافقت يا فلان؟ قال: لا. والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه، وشكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تطويل معاذ حيث دفعه إلى الصلاة وحده، قال الرجل: إنا أصحاب نواضح، نعمل بالنهار فعنف رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا، وقال له: أفتان أنت يا معاذ؟ أتفتن الناس؟ وتكره إليهم الإسلام والصلاة؟ اقرأ بالشمس وضحاها، أو بسورة الضحى أو بسورة {والليل إذا يغشى} ولم يسمع أبي بن كعب بهذه الحادثة فأطال في صلاة الصبح، وربما ظن أن الصبح غير العشاء، فالعشاء يحتاج الناس بعدها للنوم، أما الصبح فاستقبالهم لليوم يدعو للحركة والنشاط والرغبة في الخير الكثير، وكانت واقعة حديثنا، وكانت في مسجد قباء فشكا الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فغضب صلى الله عليه وسلم غضبا ساعئذ لم يغضب مثله من قبل ودعا أبي بن كعب في محضر من الصحابة والأئمة، فقال لهم: إن منكم منفرين، يطيلون