للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[باب وضع إبراهيم إسماعيل عليهما السلام وأمه هاجر بمكة حرسها الله تعالى]

٧١ - [حدثنا علي بن زياد] (١) حدثنا أبو قرة، قال: ذكر زمعة بن صالح، عن زياد بن سعد، عن أبي الزبير، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، أنه قال: «إن إبراهيم عليه السلام جاء بإسماعيل، وأمه هاجر من الشام، حين أمر أن يضع إسماعيل عند البيت الحرام، فقدم به من الشام، فوضعه وأمه تحت شجرة مواجهة الكعبة، ثم سلم عليها، وودعهما، وخرج إلى الشام، وتركهما، فاتبعته هاجر، حتى بلغت ثنية كدي، ثم قبلته، وسلمت عليه، وقالت: الله أمرك أن تدعنا ها هنا؟ قال: نعم، قالت: إذا لا يضيعنا، فرجعت إلى ابنها، فوجدته يفحص برجليه، قد أهلكه العطش، فأدبرت تشتد إلى الصفا، فصرخت، فلم يقل لها شيئا، ثم أدبرت، حتى جاءت إلى المروة، فصرخت، فلم يقل لها شيئا، ثم رجعت إلى الصفا كذلك، حتى أكملت سبعا عند المروة، وتصرخ، كل ذلك قيل لها: ارجعي إلى الغلام، فقالت للذي يكلمها: إن كان شيئا فالآن قبل أن يموت الغلام، قال: ارجعي، فرجعت، فوجدته قد فحص برجله، فخرج من تحت عقبه عين فوارة، فجاءت فرأت الماء في البطحاء، فخشيت أن يقطع، فأخذت قدحها وقربتها، فطفقت تغرف من الماء في القربة، ويفور الماء، حتى عاد -يعني كذا كهيئة حال البئر -قال ابن عباس: لو قدر لها أن تترك العين كما هي، كانت عينا فوارة أبدا، ولكنها لما غرفت منها، غار الماء، حتى عاد كذا، فمكثت هي وإسماعيل يصطاد عليها إسماعيل من الحل، حتى جاء ناس من اليمن من جرهم، فرأوا الطير يطوف على الماء وهم ذاهبون إلى الشام، فلما رأوا الماء وجدوا عنده المرأة وابنها، قالوا: ألك هذا الماء؟ قالت نعم، قالوا: هل لك أن نسكن معك، وتتركينا أن نستقي من مائك هذا، قالت: نعم، فسكنوا معها، ورأوا أرضا كثيرة العضاة لإبلهم، ونعمهم، وإن إبراهيم عليه السلام أقبل من الشام، فوجد إسماعيل هو وأمه صالحين، فرفع هو وإسماعيل القواعد من البيت، ثم خرج إلى الشام، فمكث ما شاء الله، ثم قدم مرة أخرى، فوجد هاجر قد ماتت، ووجدا إسماعيل قد نكح امرأة من جرهم، ولم يجد أحدا يرفع به رأسا حين ماتت العجوز، ووجد إسماعيل غائبا، يصطاد لأهله، فجاء امرأته، فقال: أين صاحب هذا البيت؟ فلم تكلمه كلاما فيه خير، ولم ترفع به رأسا، قالت: ذهب في بعض حاجاته، قال لها: إذا جاء صاحبك، فقولي له: إن أباك يقرئك السلام، وإنه لم يرض لك باب بيتك فغيره، فلما جاءها إسماعيل تحدثت معه ليلا طويلا، ولم ترفع بقول إبراهيم رأسا، فقال لها: ويلك، والله إني لأجد ريح أبي قد جاء هاهنا، فقالت: والله لم أدر من أبوك قد جاء شيخ هاهنا، وقال: ويلك، فما قال لك؟ قالت: قال: إذا جاء صاحبك فقولي له: إن بابك لم يرضه أبوك، فغيره، فقال: قاتلك الله، جاء إلى هاهنا فلم تبالي به، ولم ترفع به رأسا، اذهبي فارجعي إلى أهلك، فأنت طالق، ثم تزوج أخرى، فكانت امرأة صالحة، فاستأذن إبراهيم عليه السلام سارة مرة أخرى، فأقبل حتى جاء بيت إسماعيل، فسلم، فاطلعت له امرأة إسماعيل، فقالت: مرحبا وأهلا، ادخل رحمك الله، ترجل رأسك، ونطعمك من الطعام، وتستظل، فلما استأنس إليها دخل عليها، فطبخت له لحما عندها، وأطعمته حتى شبع، ورجلت رأسه، فقالت له: اجلس رحمك الله، فإنه قد ذهب منذ أيام، ويوشك أن يأتينا، فقال: لا استطيع المكث، فقال: هل عندكم من طعام؟ قالت: لا والله إن عندنا إلا هذا اللحم، قال: التمسي ولو حبة واحدة، ادعوا لكم فيها بالبركة، فلم تجده، قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قدر لها أن تأتيه بحبة واحدة، فدعا فيها، لكانت مكة ريفا من الأرياف، ولكنها لم تجد شيئا إلا اللحم، فدعا لها أن يبارك لهم في لحمهم، ولبنهم، ومائهم، قال: فقام إبراهيم عليه السلام على الحجر قائما من غير أن يكون على دابة، فجعل لإسماعيل آية، وللناس آية، فلما ذهب إبراهيم عليه السلام وجاء إسماعيل وبكى، وقال: هاتان مرتان لا يقدر لي أن ألقاه فيهما قال ابن عباس وبنى إسماعيل وأمه قبل أن ينكح بيتا عند الشجرة، وكان يسكنه، ولم يكن يسكن الكعبة» (٢).


(١) ـ ما بين المعقوفين ساقط من الأصل والمصنف لم يدرك أبا قرة وإنما يروي عنه بواسطة وقد استدركته عمن أخرجه عن المصنف كما سيأتي.
(٢) ـ في سنده زمعة بن صالح وهو ضعيف، والحديث ثابت بنحو هذا القول، من طرق أخر وانظر الحديث التالي. وعزاه الفاسي في "شفاء الغرام" (٢/ ٧) للمصنف. وقال: وهذا غريب جدا؛ أعني كون إسماعيل-عليه السلام-يصطاد حين نزل جرهم على أمه؛ والمعروف أنه كان إذ ذاك رضيعا. وقد أخرجه ابن الأعرابي في "معجمه" (٢٣٤٣) عن المصنف، به. وأخرجه أبو الشيخ في "جزء ما رواه الزبير عن غير جابر" (٧٢) من طريق محمد بن يوسف عن أبي قرة، به، مختصرا. وأخرجه أحمد والأزرقي والبخاري والنسائي والحاكم والبيهقي وغيره من طرق عن سعيد بن جبير -يزيد بعضهم على بعض-، بنحوه مطولا ومختصرا.

<<  <   >  >>