للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

[باب ذكر وحشة آدم عليه السلام لما أهبط إلى الأرض ولم ير فيها إنسيا]

٥٢ - حدثنا عبد الله بن أبي مَسَرَّةَ، ثنا حفص بن عمر العدني، ثنا الحكم بن أبان، عن عكرمة. وعن وهب بن منبه، رفعاه إلى ابن عباس، قال: «لما أهبط آدم -عليه السلام -إلى الأرض، ورأى سعتها، ولم ير فيها أحدا غيره، قال: يا رب أما لأرضك هذه عامر! يسبحك! ويقدس لك غيري، قال الله تعالى: إني سأجعل لك فيها من ذريتك من يسبحني، ويحمدني، ويقدسني، وسأجعل فيها بيوتا يرفع فيها ذكري، ويسبح فيها خلقي، وَسَأُبَوِّئُكَ منها بيتا أَخُصُّهُ بكرامتي، وَأَحُوزُهُ لنفسي، وَأُوثِرُهُ على بيوت الأرض كلها، وَأَحُوزُهُ بحرمي، وأجعله أحق بيوت الأرض كلها عندي، وأولاها بكرامتي، أضعه في البقعة التي اخترت لنفسي، وإني اخترت مكانه يوم خلقت السموات والأرض، وقبل ذلك كان بعيني، وهو صفوتي من البيوت، ولست أسكنه، وليس ينبغي لها أن تسعني، ولا تحملني، ولكني على كرسي الكبرياء والجبروت، وهو الذي يستقبل بعزتي، وهو الذي وضعت عليه عظمتي، وجلالي، وهنالك استقر بقراري، وهو ضعيف عني، لولا قوتي، ثم أنا بعد ذلك ملء كل شيء، وخلف كل شيء، وبعد كل شيء، ليس شيء يقدر قدرتي، وليس ينبغي لأحد يعلم علمي، ولا يبلغ كنه شأني، اجعله يا آدم لك، ولمن بعدك حرما آمنا، يحرم بحرماتي ما فوقه، وما تحته، وما حوله، فمن حرمه بحرامي، فقد عظم حرامي، ومن أباحه فقد أباح حرامي، ومن أمن أهله، فقد استوجب بذلك أماني، ومن أَخَافَهُمْ فقد أَخْفَرَ ذمتي، ومن عظم شأنه، فقد عظم شأني، ومن تهاون به، فقد صغر في عيني، لِكُلِّ مَلِكٍ حِيَازَةٌ مِمَّا حَوَالَيْهِ، وبطن مكة حَوْزَتِي التي اخترت لنفسي دون خلقي، فأنا الله ذُو بَكَّةَ، ساكنها: خيرتي، وجيراني، وَعُمَّارُهَا وَزُوَّارُهَا: وَفْدِي، وضيفاني، في كنفي وافدين، ضامنين علي في ذمتي، وجواري، أعمره بأهل السماء والأرض، يأتونه أفواجا شعثا غبرا، وعلى كل ضامر، يأتين من كل فج عميق، يعجون بالتكبير عجيجا، ويرجون بالدعاء حجيجا، وينتحبون بالبكاء نحيبا، من اعتمره لا يريد غيري، فقد زارني، وضافني، ووفد إلي، ونزل بي، ومن نزل بي، فحق علي أن أتحفه بكرامتي، وحق على الكريم أن يكرم وفده، وضيفه، وأن يسعف كلا بحاجته، فعمر يا آدم ما دمت حيا، ثم يعمره من بعدك الأمم والقرون من الأنبياء من ولدك، أمة بعد أمة، وقرن بعد قرن، ونبي بعد نبي، حتى ينتهي ذلك إلى نبي من ولدك، وهو خاتم الأنبياء، وأجعله من عماره، وسكانه، وحماته، وَوُلَاتَهُ، وسقاته، يكون أمينا عليه ما كان حيا، فإذا انقلب إلي، وجدني قد ذخرت له من أجره، وفضله، ما يمكن له القربة عندي، والوسيلة إلى، وأفضل المنازل في دار المقامة، اجعل اسم ذلك البيت، وذكره، وشرفه، وفخره، وسناه، لنبي يكون من ولدك، قبل هذا النبي -عليه السلام -وهو أبوه يقال له: إبراهيم، ارفع له قواعده، واقضي على يديه عمارته، وَأُنِيطُ له سقايته، وحرمه، وحِلَّهُ، ومواقفه، وأعلمه مناسكه، ومشاعره، وقربانه، وأجعله أمة قانتا وحده، داعيا إلى سبيلي، اجتبيته وهديته إلى صراط مستقيم، أبتليه فيصبر، وأعطيه فيشكر، وآمره فيفعل، وينذر لي فيوفي، وبعدني فيصدق، وَأُشَفِّعُهُ في ذريته، وأجيب دعوته فيهم، واجعل ذلك البيت له ولهم، اجعلهم حُمَاتَهُ، وسقاته، وَخُدَّامَهُ، وخزانته، وَحُجَّابهُ، حتى يبدلوا ويغيروا، فإذا فعلوا ذلك، فأنا الله أقدر القادرين على أن استبدل ما أشاء بمن أشاء، اجعل إبراهيم إمام ذلك البيت، واجعل تلك الشريعة إماما لها، من شهد تلك المواطن من جميع الجن والإنس، يقفون ويطئون فيها أثره، ويستنون فيها بسنته، ويهتدون فيها بهداه، فمن فعل ذلك منهم أوفي بنذره، واستكمل نسكه، ومن لم يفعل ذلك منهم، أخطأ نصيبه، وضيع نسكه، ومن سأل عني يومئذ أين أنا؟ فأنا مع الشعث، الغبر، الموفين بنذورهم، والمستكملين مناسكهم، المنيبين، المخبتين إلى ربهم، الذي يعلم ما يبدون وما يكتمون، قال: وكان هذا البيت بوأه الله تعالى لآدم -عليه السلام -يومئذ من ياقوت الجنة، من ياقوتة حمراء، لها بابان يَلْتَهِبُ (١) من بينهما، أحدهما شرقي، والآخر غربي، وكان فيها قناديل من نور الجنة، أسقفتها من ذهب من لبن الجنة، وهو منظوم بنجوم من ياقوت الجنة أبيض، والركن يومئذ نجم من نجومه» (٢).


(١) ـ تقرأ في الأصل: ينتهب. والتصويب: من مصادر التخريج، وفيها: تلتهب نورا. وفي بعضها: تلتهب التهابا.
(٢) ـ سنده ضعيف: حفص بن عمر العدني ضعيف الحديث، وقد خالفه إبراهيم بن الحكم بن أبان كما سيأتي وهو ضعيف أيضا والحكم بن أبان صدوق يهم، وقد روي من غير طريق عن وهب بن منبه قوله، وهو أشبه. وعزا السيوطي في "الدر المنثور" (١/ ٦٨١) للمصنف. وقد أخرجه الحكيم الترمذي في "الرد على المعطلة" (ق ٣١) عن سلمة بن شبيب عن إبراهيم بن الحكم بن أبان عن أبيه، عن إدريس بن سنان عن وهب بن منبه عن ابن عباس قال: قال الله لآدم سأبوئك بيتا أخصه بكرامتي وأحوزه لنفسي وأوثره على بيوت الأرض كلها فهو بعيني وصفوتي من البيوت. وإبراهيم بن الحكم ضعيف الحديث. وقد روي عن إدريس بن سنان خلاف ذلك، فأخرجه الدينوري في "المجالسة" (١٢٩٦)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (٣٦٩٩) -ومن طريقهما ابن عساكر في "تاريخه" (٧/ ٤٢٥ ـ ٤٢٦) -من طريق عبد المنعم بن إدريس بن سنان عن أبيه عن جده وهب بن منبه، قوله. وعبد المنعم ضعيف، لكن روايته هذه أشبه بالصواب، فقد أخرجه الأزرقي في "أخبار مكة" (١/ ٤٨)، وابن جرير الطبري في "تاريخه" (١/ ١٣١)، وأبو الشيخ في العظمة (١٠٥٣)، وابن عساكر في "تاريخه" (٧/ ٤٢٣) من طريق عبد الصمد بن معقل عن وهب بن منبه، قوله. وسنده صحيح إلى قائله. وأخرجه الأزرقي في "أخبار مكة" (١/ ٤٦ ـ ٤٨ و ٢/ ١٥٣) من طريق عثمان بن ساج، وابن عساكر في "تاريخه" (٦/ ٢٦٣) و (٧/ ٤٢٩ و ٤٣٠) من طريق المرادي والمعتمر بن سليمان ثلاثتهم عن وهب بن منبه، قوله.

<<  <   >  >>